علي فضل الله: على كل السوريين الوعي قبل أن تسقط سوريا

ألقى  السيد علي فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

والبداية من لبنان، الذي لا يزال أسير القلق جراء التوتّرات الأمنيَّة، والتفجيرات الإرهابيَّة، وتداعيات ما يجري في محيطه عليه، واستمرار تهديدات العدوّ الصهيوني وخروقاته. وما يزيد من هذا القلق، هو استهداف الجيش اللبناني، الَّذي يعدّ ضمانة لاستقرار هذا البلد، والتّشكيك بحياديّته، والتّصويب المستمر على المقاومة، والتَّشكيك بأهمية دورها في حماية الوطن، في وقت هو أحوج ما يكون إلى جهوزيتها وردعها.

إننا أمام هذا الواقع، ندعو الحكومة، وبعد أخذها ثقة المجلس النيابي، وخروجها من شرنقة البيان الوزاري، إلى تحمّل مسؤولياتها، والقيام بدورها في منح الأولويَّة لمعالجة الوضع الأمني… ونحن نعتقد أن الحكومة من خلال تمثيلها لأغلب المكوّنات السياسيَّة في لبنان، وامتداد علاقاتها الإقليمية والدولية، يمكنها أن تساهم في هذا المجال، إن صدقت النيات، وأن تكون حكومة شراكة، هدفها المصلحة الوطنية، كما كان عنوانها الأول، لا أن تكون كما نخشى، أو كما ظهر من خلال السجالات الأخيرة، حكومة ربط نزاع، أو حكومة تقطيع الوقت، انتظاراً لما قد يحصل في المستقبل، أو حكومة لتمرير الاستحقاق الرئاسي، أو لملء الفراغ.

إننا نراهن على وعي القوى السياسيَّة المتمثّلة في الحكومة، وندعوها إلى القيام بمسؤولياتها تجاه المواطنين، الذين منحوها ثقتهم، وعليها أن تقوم بأقصى ما يمكنها القيام به تجاههم، علماً أننا لا نحمّل هذه الحكومة أكثر مما تستطيع أن تحمله.

وفي هذا المجال، لا بدَّ من التنويه بأهمية الخطوة المتمثّلة بدخول الجيش اللبناني والقوى الأمنية إلى عرسال، إذ إنها تساهم في إزالة الهواجس والمخاوف التي تعتري اللبنانيين، من كونها ممرّاً ومعبراً لسيارات الموت، كما تساهم في إعادة الثقة بين هذه البلدة ومحيطها، وتحقيق الاستقرار للبقاع، الّذي اكتوى ولا يزال يكتوي بنيران المتفجرات، وآخرها في بلدة النبي عثمان، إضافةً إلى الصَّواريخ التي تسقط عليهم بين حين وآخر.

ومن هذا المنطلق أيضاً، نشدّد على ضرورة اعتماد خطة أمنية جادة في التعامل مع ما يجري في طرابلس، حيث لا تزال هذه المدينة تعيش الفلتان الأمني غير المعقول، ما بات يستدعي من القوى السياسية الفاعلة، الجدية في العمل على رفع الغطاء عن المسلّحين، ليمارس الجيش دوره الأمني بنجاح، ولا يقع في دائرة الاستهداف، ولتتحرك الدولة خدماتياً لمعالجة الأوضاع الاجتماعية الصَّعبة في أحياء البؤس المنتشرة داخل المدينة.

إنَّ رهاننا في هذا البلد، ينبغي أن يبقى على وعي اللبنانيين، وحرصهم على وحدتهم وتماسكهم، لا على التوافق الإقليمي الدولي، الذي قد يتبدّل ويتغيّر في أي مرحلة، وفقاً لمصالحه. وبناء عليه، على اللبنانيين أن يدركوا أن مصيرهم واحد، ومستقبلهم واحد، وأن لا خيار أمامهم إلا التوافق.

ونصل إلى سوريا، الَّتي دخلت في إطار اللعبة الدولية، وفي أتون الصراع الدولي من بابه الواسع، وخصوصاً بعد ما جرى في أوكرانيا، إضافة إلى دخول الكيان الصهيوني على الخط، من خلال غارته الأخيرة على القنيطرة، بذريعة الردّ على العبوة التي انفجرت في الجولان.

إنَّ كلّ هذا الواقع يستدعي وعياً من كل السوريين، حتى يتكاتفوا لإخراج بلدهم من دائرة هذا الصراع الدولي المتفاقم، ويعيدوا النظر بحساباتهم السابقة، قبل أن تسقط سوريا في لعبة الأمم، ولا سيما بعد سقوط الكثير من الرهانات السابقة!

أما فلسطين، فلا يزال العمل فيها جارياً للضغط على السلطة الفلسطينية، لكي تقدم التنازلات للعدو، تحت عنوان المجازفة من أجل السلام، كما يقول الرئيس الأميركي، ونحن نتساءل: ماذا بقي بيد الفلسطينيين لكي يقدموه ويجازفوا به، غير التوقيع النهائي لحساب العدو، والاعتراف بيهودية الكيان، والتنازل عن حق العودة؟! أما ما يُطلب من العدو، فهو التنازل عن أمور شكلية، قد تتصل بالسجناء، أو تحسين الأوضاع الحياتية للفلسطينيين، على حساب القضية والأرض التي ينهش جسدها الاستيطان المتسارع في الضفة الغربية وما تبقى من القدس!

إنّنا في الوقت الّذي نحيي المواقف الفلسطينية الداخلية، الَّتي دعت إلى وحدة الموقف الفلسطيني في مواجهة الضغوط التي تمارس ضد الفلسطينيين، ندعو هذا الشعب الصابر والصامد، إلى أن تبقى ثوابته ومواقفه راسخة. ونحن لا نزال على ثقة بأن الشعب الفلسطيني، ومعه الشعوب العربية والإسلامية، تمتلك القدرة على مواجهة هذا الكيان، والمهم أن تبقى هذه القضية، وألا تسقط في دائرة الإهمال والنسيان.

وعلينا أخيراً، أن نعيد التذكير بضرورة التوقف عن العادة المتخلّفة المتمثلة بإطلاق الرصاص عند تشييع عزيز، أو عند أي حدث أمني أو سياسي، ففضلاً عن حرمته الشرعية، فإنه يضاعف قلق الناس، ويزيدهم توتراً وخوفاً، ويضع السلاح في غير موقعه الطبيعي، ناهيك بما يتسبّب به الرصاص الطائش من مآسٍ ومشاكل… ومن لا يعرف ما يسببه، فليذهب إلى المستشفيات، ليرى نتائج رصاصاته التي قد تصيب شخصاً هنا، وتقتل شخصاً هناك، فاتقوا الله في عباده وبلاده أيها المطلقون للرصاص، ولا سيما من يحمل منكم العنوان الديني وعنوان التقوى.

السابق
مارسيل مارينا: رسالتي العائلة المترابطة
التالي
ضربة «القيصر» بوتين