بشار الاسد يتوج «الانعزالية الشيعية»

بشار الاسد
الإمام موسى الصدر أدار معركة إيران بطريقة ممتازة وصار المطلب الأساس إبراز الخصوصية الشيعية والانخراط في سياسة المحاصصة بين الطوائف. وبدأت رحلة ابتعاد الشيعة عن دولة المواطنة والاقتراب من دولة المحاصصة. اليوم يحقق النظام السوري انتصاراً آخر عندما استطاع تطويع حزب الله ليكون شريكاً له في القتال، ليس ضدّ المعارضة السورية المسلحة فحسب بل، ضدّ الأكثرية السورية، بحسب التوزع المذهبي. فحصلت قطيعة أخرى بين شيعة لبنان وأكثرية الشعب السوري.

بعد ظهر أمس، وبعد شيوع أخبار سيطرة الجيش السوري وحلفائه على يبرود، جالت مدينة صيدا تظاهرات سيارة ترفع أعلام حزب الله وتطلق العنان لأبواقها وتعلن الفرح “بتحرير” يبرود.

لقد انتصر النظام السوري واستطاع إخراج عناصر المعارضة السورية المسلحة من المنطقة واستعاد سيطرته عليها. لقد سجّل انتصارات متلاحقة هنا وهناك مما يسمح لقيادته القول إنّها على طريق استعادة السيطرة على الأراضي السورية كافة. لقد انتصر النظام، لكني لا أعلم إذا كان سيفي بوعوده بتحقيق الإصلاحات التي قال إنّه يريدها بعد آذار 2011، ولا أعرف إذا كان استبداده سيبقى على المستوى نفسه أو أنّه سيزيده على ما تبقى من مواطنين سوريين.

لقد انتصر النظام، لكن سوريا، وهي بالألف الممدودة تعني بلاد الشام، قد هزمت. مدن سورية هُدِمَت، الاقتصاد تدهور والأهم من هذه الهزائم: تدمير النسيج الاجتماعي السوري، أي سوريا الناس والشعب.

كنّا نتغنى بالمواطنية السورية، لكنّهم صاروا مثلنا نحن اللبنانيين. نسيجهم الاجتماعي صار في خبر كان، والعداء بين مكونات الشعب السوري زاد مرات ومرات، والانقسام ازداد حدّة. لكن النظام انتصر. ليس في الداخل السوري فحسب بل خارج حدود الكيان السوري. استطاع النظام أن يزيد من رصيد خسائرنا يومياً، منذ توكيله برعاية الحرب الأهلية اللبنانية. لكنّ انتصاره الأكبر في لبنان لم يكن وليد الساعة، بل نتيجة تراكمات دامت نحو أربعين عاماً.

نشأ الكيان اللبناني بامتيازات مارونية وشراكة سنية. كان اللبنانيون من ذوي المعتقد الشيعي في المقلب الآخر. كان معظمهم يريد دولة مواطنة الجميع فيها متساوون. فانخرطوا في الأحزاب العلمنئية والقومية. لكنّ هذا الاتجاه ضُرب. كانت البداية عندما عقد اجتماع في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات بين الراحل رشيد بيضون وآخر من آل رمضان ووفد من الدولة الإيرانية (أيام الشاه)، سأله الوفد عن المرجعية الدينية أجاب بيضون: “مرجعيتنا الدينية هي النجف الشريف والسياسية هي الدولة اللبنانية”، وطالبه الوفد “أن تكون طهران المرجعية السياسية”. يومها رفض بيضون وانفضّ الاجتماع.

بعدها حضر الإمام موسى الصدر الذي أدار المعركة بطريقة ممتازة وصار المطلب الأساس إبراز الخصوصية الشيعية والانخراط في سياسة المحاصصة بين الطوائف. وبدأت رحلة ابتعاد الشيعة عن دولة المواطنة والاقتراب من دولة المحاصصة. وقد نجح الصدر في سياسته هذه وفتح الباب على مصراعيه أمام الشيعة كطائفة لتأخذ مكانها تحت شمس الطوائف. وقد عزّز النظام السوري هذه السياسة ليستخدم الشيعة لاحقا ويحقق انتصارا آخر يوم دفع بحركتهم “أمل” إلى خوض حرب المخيمات، فباتوا في مواجهة مجموعة بشرية همها مقاتلة إسرائيل والعودة إلى ديارها، وحصل الانقطاع بين شيعة لبنان وطليعة العرب المقاتلة لإسرائيل.

اليوم يحقق النظام السوري انتصاراً آخر عندما استطاع تطويع حزب الله ليكون شريكاً له في القتال، ليس ضدّ المعارضة السورية المسلحة فحسب بل، ضدّ الأكثرية السورية، بحسب التوزع المذهبي. فحصلت قطيعة أخرى بين شيعة لبنان وأكثرية الشعب السوري. وهذا ما يزيد من معاناة الشعب اللبناني من نتائجه مستقبلا. خصوصا أنّنا، كلبنانيين من الطوائف على اختلافها، قد هُزمنا عندما فقد النسيج اللبناني حياكته ولم يعد الانقسام على محاصصة هنا وأخرى هناك بل صار الانقسام على المسلمات والبديهيات الوطنية.

حتماً انتصر النظام السوري، لكنّ سوريا هُزمت. وبتنا أسرى نظام استبدادي وتيارات متطرفة إرهابية.. فأين المفرّ؟

السابق
النهار: عقدة الأكثرية السنية
التالي
لماذا لا تُمنع الهواتف داخل مجلس النوّاب؟