انتخابات الرئاسة وخياراتها!

يعتقد كثيرون، ومنهم ديبلوماسيون معتمدون في لبنان، بأن الاستقرار السياسي والأمني يحل في لبنان عندما يُنتخب زعماء طوائفه لمراكز الدولة العليا ولا يشعر أي من طوائفه بالإحباط بسبب عدم صحة تمثيلها في مجلسي النواب والوزراء.

فالمسيحيون عامة والموارنة خاصة يشعرون بالإحباط منذ بدء تنفيذ اتفاق الطائف تحت الوصاية السورية، ولم يعتبروا يوماً أنهم اختاروا رئيس الجمهورية المنتمي إلى طائفتهم، ولا كان التمثيل النيابي وليد إرادتهم ولا اشتركوا فعلياً في تأليف الحكومات. ويعتقد كثيرون منهم أن التصحيح يبدأ بالاتفاق على قانون انتخابات منصف وعادل يعطيهم المناصفة الحقيقية في التمثيل النيابي، ومن دون تذرّع آخرين بالديموغرافيا، حسب اتفاق الطائف. كذلك، يهم المسيحيين رفع الفيتو عن وصول قادتهم إلى سدة الرئاسة كما كان الأمر منذ الاستقلال وحتى اتفاق الطائف.
الشعور بالإحباط عند الطائفة السنية حديث العهد وبدأ مع إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري في كانون الثاني العام 2011. وبرغم أن ترشيح رئيس الحكومة الحالي أتى من شبه إجماع سني عليه، إلا أن الإحباط مستمر ما دام السنّة يعتقدون بأن هناك فيتو (سياسياً وأمنياً) مفروضا على زعمائهم.
أما الطائفة الشيعية، فرغم وجود زعيم لها في رئاسة مجلس النواب، إلا أن الفيتو الموضوع على أحد أحزاب الثنائي الشيعي بالإضافة للمحاولات المتواصلة لشق هذا التحالف وعزل «حزب الله» لبنانياً وعربياً يجعلهم أيضاً في وضع إرباك مستمر.
ومن دون شك، فإن الحذر من بعضنا البعض ينعكس بقوة على معركة رئاسة الجمهورية التي بدأت في لبنان في جو ضبابي قد يستمر إلى ما بعد المدة القانونية لانتخاب الرئيس في 25 أيار المقبل. تاريخياً كان النواب المسلمون يرجّحون دائماً كفة أحد الزعماء الموارنة لرئاسة الجمهورية، كما حدث منذ الاستقلال بانتخاب الرئيس بشارة الخوري (1943) بمساندة الرئيس رياض الصلح ولغاية انتخاب الرئيسين بشير وأمين الجميل (1982) بمساندة الرئيسين كامل الأسعد وصائب سلام. وتعطلت الآلية الديموقراطية لانتخاب الرئيس بعد اتفاق الطائف الذي أعطى الوصاية السورية أمر اختيار رئيس الجمهورية.
بدأت أزمة الحكم والفراغ الرئاسي والعرقلة في تأليف الحكومات بعد الاحتلال الأميركي للعراق الذي انبثق عنه إقليمياً انقسام عمودي عميق بين المسلمين السنّة والشيعة، والذي تجلّى في لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005. بعد ذلك أصبح لكل فريق مسلم فيتو على زعيم ماروني متحالف مع الفريق الآخر كما يتبيّن من فراغ الرئاسة بعد تشرين الثاني 2007. الرئيس ميشال سليمان أتى بمشيئة إقليمية ودولية وبموافقة لبنانية خجولة بعد فراغ الرئاسة لمدة ستة أشهر. إذ أن دولاً إقليمية ودولية مانت على فريقي النزاع في لبنان بأن لا يستعملا الفيتو لاختيار هؤلاء العماد قائد الجيش ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية. وانتخب في 25 أيار 2008 الرئيس سليمان رئيساً بفتوى قانونية تعتبر أن الفراغ الرئاسي يسقط مفاعيل المادة 49 التي تشترط عدم انتخاب موظف من الفئة الأولى أو ما يعادلها ما لم يستقل أو ينقطع عن وظيفته قبل سنتين من موعد انتخاب الرئيس، واعتبار أن المادة 74 من الدستور التي تعتبر وكأن الفراغ الرئاسي حصل بسبب وفاة الرئيس أو استقالته.
بكلام آخر، إن إمكانية الفراغ في رئاسة الجمهورية بعد 25 أيار المقبل ليست وليدة التنافس الماروني على الرئاسة، لأن ذلك أمر طبيعي في مجتمع ديموقراطي أو مجتمع منقسم على ذاته. إن الفراغ الذي حصل في العام 2007 والذي قد يحصل قريباً هو وليد الهوّة الكبيرة بين السنّة والشيعة، خاصة وأن هذا الصراع هو بامتياز إقليمي الهوية والقيادة.
وبما أن كلاً من القيادات المارونية متحالف مع فريق إسلامي، لا يمكن للمرشح الماروني القوي شعبياً أن يُنتخب رئيساً للجمهورية في الوضع الحالي، إلا إذا أقنع الطرف المسلم الآخر برفع الفيتو عنه. إضافة إلى ذلك، إن الفيتو المتبادل الموضوع على القادة الموارنة المرشحين للرئاسة يمنع انعقاد الدورة الأولى لانتخاب الرئيس لأن ذلك يتطلب ثلثي عدد نواب المجلس وهو غير متوفر لأي من الطرفين.
لتجنّب الفراغ، يمكن للقيادات المارونية المحتمل ترشحها أن تجتمع في بكركي وتتفق على أحد السيناريوهين:
1 ـ يتفق القادة الموارنة المحتمل ترشحهم للرئاسة على حضور كل دورات انتخاب الرئيس ولينتخب من يحصل على الـ65 صوتاً أو أكثر في إحدى هذه الدورات، لتعذر حصول أي منهم في الوضع الحالي على ثلثي عدد النواب في الدورة الأولى. هكذا اتفاق بين القادة يعني أن يحضر حلفاؤهم السنّة والشيعة كل جلسات الانتخاب، ما يعني رفع طرفي النزاع الفيتو عن كل المرشحين.
2 ـ في حال تعذر قيام هكذا اتفاق، يمكن للقادة المرشحين الاتفاق على ماروني محايد ومستقل لا يهدد الوضع السياسي القائم ويشركهم جميعاً في الحكم خلال عهده.
إن عدم اتفاق القادة الموارنة على أحد هذين الاقتراحين أو سيناريو آخر مماثل، يعني فراغاً رئاسياً آخر ومن ثم، وكما حصل في المرة الماضية سيختار المجتمع الإقليمي والدولي الرئيس المقبل وقد يُداس مرة أخرى الدستور باستعمال المادة 74 منه، ويجعله سخرية اللبنانيين والعرب.

السابق
الحركة الثقافية في بنت جبيل كرمت الامهات
التالي
احتفال في بنت جبيل بيوم الطفل