إسلاميّو طرابلس: عين على الرياض وأخرى على الدوحة

منذ خروج الخلاف السعودي ـــ القطري إلى العلن وإعلان الرياض تنظيمات إسلامية رئيسية، من بينها «الإخوان المسلمون» و«القاعدة» و«النصرة» و«داعش»، «تنظيمات إرهابية يحظر الانتساب إليها أو تأييدها»، بلع أغلب إسلاميّو طرابلس ألسنتهم، وأصيبوا بإرباك غير مسبوق، إلى حدّ أن أغلبهم فضّل عدم التعليق علناً على الموضوع، في انتظار تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود.

سبب الإحراج هذا أنه بات على هؤلاء، شأنهم شأن إسلاميي المنطقة ككل، الاختيار بين الوقوف إلى جانب إحدى الدولتين، وليس توزيع الولاء بينهما. ففي السنوات الأخيرة، فتح إسلاميّو طرابلس قنوات مع السعودية وقطر معاً، وتلقوا دعماً مالياً وسياسياً، لأسباب كثيرة بعضها يتعلق بالوضع اللبناني الداخلي وأخرى ذات بعد إقليمي إثر تحولات «الربيع العربي»، إلى أن جاء الخلاف السعودي ـــ القطري ليفرض على إسلاميي طرابلس ولبنان حسم أمر «الولاء المزدوج».
توضح مصادر إسلامية لـ«الأخبار» أن الإسلاميين في طرابلس «انهمكوا في الآونة الأخيرة في إجراء جردة حساب قبل حسم أمرهم، واتخاذ الموقف المناسب إما إلى جانب السعودية أو قطر، انطلاقاً من اعتبارات سياسية ومالية معاً». ولفتت إلى أن «الاعتبارات المالية تتقدم على الاعتبارات السياسية عند أغلب هذه القوى، ما يجعل الرياض تتقدم هنا مادياً ومعنوياً على الدوحة». وكشفت أن «أبرز القوى الإسلامية التي يفترض أنها تعارض السعودية، وهي الجماعة الإسلامية أو «إخوان لبنان» كما تسمى، يأتي أكثر من 70 في المئة من دعمها من السعودية، إما عن طريق مساعدات إنسانية أو عبر تبرعات»، وهذا «سيضطر الجماعة إما إلى البحث عن مصادر تمويل أخرى، أو إعطاء نفسها مسافة بعيدة نسبياً عن إخوان مصر، لاعتبارات وخصوصيات لبنانية صرفة، حتى تبقي حبل الصرّة مع السعودية موصولاً».
أما السلفيون الذين يفترض أنهم محسوبون قلباً وقالباً على السعودية، لأسباب فقهية وفكرية قبل غيرها، فإنهم ليسوا كذلك في واقع الأمر. وإذا كان الشيخ سالم الرافعي مثلاً، حسب مقربين منه، أحد أبرز مشايخ الساحة السلفية في طرابلس لا يجد نفسه بعيداً عن السعودية، لكونه وأمثاله من متخرّجي الجامعات الإسلامية في السعودية يتلقون دعماً مالياً من وزارة الأوقاف السعودية، فإن الشيخ داعي الإسلام الشهال الذي تعذر الاتصال به يجد نفسه في موقع حرج، لأنه وإن كان ينسب إلى نفسه تأسيس التيار السلفي في لبنان، الذي يعدّ منطقياً أقرب التيارات الإسلامية إلى الرياض، فإن مصالحه مع قطر التي نسجها في السنوات الأخيرة تطرح سؤالاً أساسياً: أين سيقف الشهال وسط هذه المعمعة الخليجية؟
وما ينطبق على الشهال ينطبق أيضاً، ولو من زاوية أخرى، على الشيخ حسام الصباغ، أحد أبرز قادة المجموعات السلفية في طرابلس. فهو، في رأي المصادر الإسلامية، «يفترض أن يكون أقرب إلى الرياض، ولو كان لا يلقى منها دعماً مباشراً، لكنه في الوقت ذاته لا يفترض أن يكون بعيداً عن الدوحة، إلا إذا كانت لديه حسابات تجعله يقف على مسافة واحدة من الدولتين الخليجيتين».
كذلك الحال، فإن هيئة العلماء المسلمين، الوليد الحديث على الساحة الإسلامية والتي تضم خليطاً من السلفيين والجماعة الإسلامية ومقربين من دار الفتوى ومستقلين، باستثناء المحسوبين على فريق 8 آذار، ستجد نفسها في المرحلة المقبلة مضطرة إلى السير بين النقاط، حتى لا يؤدي أي موقف غير موحّد داخلها إلى انقسام قد يؤدي إلى فرطها.
انطلاقاً من هذا الواقع، تقسّم المصادر الإسلامية القوى الإسلامية في طرابلس إلى ثلاث فئات كالآتي:
الأولى حسمت خيارها إلى جانب الرياض، لأسباب سياسية ومالية، ولاعتبارات معنوية تنطلق من أن السعودية «تعتبر نفسها مرجعية الإسلام السنّي في المنطقة والعالم إضافة إلى وجود الحرمين المكي والمديني فيها، ولعل أبرز هذه الفئات إلى جانب السلفيين هي دار الفتوى».
والثانية وجدت نفسها طبيعياً إلى جانب الدوحة بعدما استبعدتها الرياض أو وضعتها في خانة «الأعداء»، كالجماعة الإسلامية، إضافة إلى أن بين هذه الفئة أطرافاً «سيقفون إلى جانب قطر ليس حباً بها، بل نكاية بالرياض بعد مواقفها السياسية الأخيرة، وتصنيفاتها».
أما الفئة الثالثة، وهي فئة ليست قليلة لكنها تفضّل أن تلزم الصمت غالباً، فإنها ستفضّل «اعتماد الحياد قي الصراع بين الدولتين، وعدم الاصطفاف إلى جانب إحداهما، لأن أي انقسام على الساحة الإسلامية سيؤدي إلى تشرذمها واستهدافها.

السابق
عشرات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى
التالي
المسؤولون لا يعوّلون على الإحاطة الشهرية