منع فيلم نوح والمحكمة تأمر بسجن كرم صابر

مرة أخرى، تتعرض حرية التعبير في مصر لاختبار صعب، بعدما أيدت إحدى المحاكم المصرية الحكم بسجن الكاتب المصري كرم صابر خمس سنوات وتغريمه بدفع كفالة مقدارها ألف جنيه، بتهمة ازدراء الأديان، بسبب مجموعة قصصية نشرت له في العام 2010 تحت عنوان “أين الله”، وكان سبق لنا أن تناولنا تفاصيلها الفنية.

تعود وقائع القضية إلى 12 نيسان 2011، عندما قدّم عدد من المواطنين في محافظة بني سويف بلاغاً إلى المحامي العام لنيابات بني سويف، يتهمون فيه كرم صابر، بإصدار مجموعة قصصية تحمل اسم “أين الله”، “تدعو إلى الإلحاد وسب الذات الإلهية وتحض على الفتن وإهدار الدماء”، بحسب البيان.
بعد يومين على تأييد الحكم، أعربت مؤسسة “حرية الفكر والتعبير” و”الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان”، عن إدانتهما حكم محكمة الجنح في بني سويف، وأشارتا إلى أن “الحكم الصادر ضد الكاتب يتنافى مع ما هو منصوص عليه في الدستور القائم الذي حظرت المادة 67 منه توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري، التي لا تدخل في نطاق الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد”.
حين توجهتُ بالسؤال إلى كرم صابر عن الموقف المتوقع في 9 نيسان المقبل، وهو الموعد المقرر للنطق بالحكم النهائي، أكد لي أنه لا يمكن التنبؤ بشيء، موضحا “أن المحامين فعلوا المستحيل امام المحكمة، وقدموا أدلة براءة من النواحي الأدبية والدينية والقانونية، ومع ذلك أيدت المحكمة الحكم. ومن جهتنا سوف نستأنف الحكم لمرة أخيرة، ونقدم دفوعنا ونتمنى ان نحصل على البراءة. لكن من الممكن والمتوقع أن يكون الحكم نهائيا فى الجلسة المقبلة. وإذا حدث ذلك فلن اخرج من القفص ولا مفر من الحبس”.
عن دور المثقفين المصريين أكد كرم أن في إمكانهم ان يتوجهوا الى الحاكم الذى يدير مصر الآن ويلزموه تطبيق نصوص الدستور والقانون. فاذا كانت المؤسسات ترفض التزام نصوص الدستور الذى اقره الشعب ومؤسسات الدولة ذاتها، فماذا يبقى للمواطنين في كيفية معاملتهم وتنظيم حياتهم؟ هل يريدون ان يقدموا نموذج الفوضى ليسود الخراب فى المجتمع؟
من جهة أخرى يقيم عدد من المثقفين المصريين ندوة عاجلة يوم الخميس في مقر “دار العين للنشر” في القاهرة لإصدار بيان تضامن ورفض لقرارات المحكمة المخالفة للدستور، وبحث سبل التضامن مع كرم صابر والتأكيد أن قضية حرية التعبير ينبغي أن تكون أحد أهم مكتسبات ثورة 25 يناير، وخصوصا أن الأسبوع الأخير شهد عددا من الأحداث المتلاحقة الخاصة بحرية التعبير حيث منعت الرقابة عرض فيلم “نوح” في قاعات العرض، بدعوى أن تشخيص الأنبياء حرام وفقا لتقرير صادر عن “مؤسسة الأزهر”.
جدير بالذكر أن مجموعة “أين الله” لكرم صابر تستعرض مشاعر البسطاء من نماذج البشر الذين يعيشون في الهامش، وتحديدا في قرى الريف في مصر، وتلقي الضوء فنيا على تساؤلاتهم حول فكرة الخلق، والعدل، وتنتهي نهاية ذات منحى صوفي لافت، وإن كان هاجسها الرئيسي فكرة العدالة الاجتماعية. وكنت قد أشرت في قراءتي لها هنا في “النهار”، إلى عدد من المآخذ الفنية من مثل المباشرة أحيانا، أو عدم إحكام بعض القصص، او اتساع المساحة الزمنية لبعض القصص بما لا يتلاءم مع إيقاع السرد. لكن أسئلتها الأساسية تظل على قدر كبير من الاهمية والجدية لأنها في جوهرها أسئلة عن الحقوق الأساسية للبشر، وعن الظلم الاجتماعي في دولة لا تمنح العدالة الاجتماعية لمواطنيها، وهي أيضا في جوهرها أسئلة عن فكرة العدل والحق، وتجسد السؤال الوجودي عن ماهية الحياة ومآلها.
اللافت أن التصعيد المستمر من جهة المحكمة، على الرغم من تعارض الحكم مع أحكام الدستور الجديد في مصر، ربما يعود في جانب منه إلى تخاذل المثقفين المصريين في هذه القضية وقضايا أخرى تزامنت مع هذه الواقعة بينها منع عرض فيلم “نوح” في قاعات العرض السينمائية بناء على توصية من الأزهر أشارت إلى تحريم تشخيص حياة الأنبياء، على الرغم من أن قاعات العرض السينمائي في مصر عرضت فيلم “آلام المسيح”، قبل سنوات.
لعل مؤسسات الوصاية الدينية تريد ان تحقق مكاسب خلال هذه الفترة الانتقالية التي يبدو فيها الجمهور مستكينا ومترقبا لما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية، ومدى تدخل الجيش في الحياة المدنية للأفراد في مصر في الفترة المقبلة، وخصوصا أن هناك اعتقالات لعدد من الناشطين بلا محاكمات، إضافة إلى بعض التقارير التي أشارت إلى شواهد تعذيب غير ممنهجة في السجون المصرية ما يلقي الشكوك حول عودة الدولة الأمنية من الباب الخلفي.
لا ينبغي للمثقفين الرضوخ لأي من هذه المظاهر المقيدة لحريات التعبير، بل يجب أن تعلو اصواتهم ضد هذا الحكم الذي لم تشهده مصر ربما منذ قضية نصر أبو زيد، وأن يتضامنوا كما فعلوا مسبقا في قضايا شبيهة بينها قضية كتاب “وليمة لأعشاب البحر”.
إن خروج غالبية المصريين في 30 حزيران الماضي لتأكيد رفضهم لحكم “الإخوان” لم يكن فقط رفضا لفصيل فاشل أثبت عدم معرفته بمعنى “الدولة”، بل وأيضا وعن سبق ترصد؛ رفضا للفاشية الدينية، بكل ما يرتبط بها من وسائل القمع السياسي والفكري والديني، وضد التمييز الديني الذي كان سمة واضحة من سمات حكم “الإخوان”.
يتصور البعض أن الشعبية التي يحظى بها الفريق السيسي اليوم قد تسوغ لحاشية قريبة منه، أو لبعض المؤسسات الرقابية ذات الطابع الديني، أن يلعبوا في المياه العكرة ويمسكوا ببعض الأوراق التي قد تكسبهم بعض النفوذ مستقبلا مثل الأزهر وجهات الرقابة والمؤسسات الدينية المختلفة، لكن على هؤلاء جميعا أن يحذروا. فهذا شعب، يحب حريته كثيرا. ووقود الثورة وروح شبابها المتقدة لم تصبح جمرا خابيا، بل هي لا تزال تلفظ اللهيب في الأنفاس، قادرة على إشعال كل شيء مرة أخرى حين يصبح ذلك ضرورة.

السابق
المتزوجات أطول عمراً من العوانس
التالي
بدء الاجتماع الامني في بعبدا برئاسة سليمان