ماذا بعد يبرود؟

تبدو دمشق تتدرج نحو الارتياح العام. تشبه أيامها شهور السنة الأولى من الأزمة السورية. تكاد تنسى في شوارعها أنّ أحداثا دموية تجري على الأرض السورية. تذكرك بالأزمة  الحواجز المنتشرة على الطرق الرئيسية والمفارق، وزحمة السير في كلّ الشوارع على مسافة ساعات النهار، أو أصوات بعيدة لمدافع تطلق قذائفها بإتجاه مناطق ريفية. لا مكان في أسواقها الشعبية كالحميدية للنظر بعيدا بسبب ازدياد عدد سكان المدينة نتيجة حالات النزوح إليها.

الطريق من دمشق إلى ريفها الشرقي عاد إلى طبيعته بعد ازدياد حركة المطار ذهاباً وإياباً. عادت الزيارات إلى مقام السيدة زينب. توسّعت رقعة المصالحات في تلك الأرياف. تشهد المناطق المحيطة بطريق المطار حركة أشغال وصيانة مبان وعودة مهجرين.
لم يعد يحكي السوريون عن تهديدات المعارضين بالزحف إلى العاصمة. الحديث يتمركز حول مصالحة هنا وإعادة الأمان إلى منطقة هناك أو السؤال عما سيحصل في حلب نتيجة الوقائع الميدانية الجديدة وعودة مطار حلب إلى دورة الطيران.
القلمون هي محور الاهتمام الأساس طيلة الأسابيع الماضية. كانت تشكل قارة والنبك ويبرود ورنكوس الى الزبداني الممتدة على طول السلسلة الفاصلة عن لبنان منطقة إمداد للمسلحين في كل اتجاهات الريف الدمشقي وخط الوصل ما بين لبنان وتلك المناطق. كانت تلك المنطقة تحمي ظهور المسلحين وتعتبر الملجأ الامين والطريق الآمن السريع الى عرسال اللبنانية الموالية للمعارضة السورية. كان يتحكم المسلحون بطريق دمشق-حمص الدولي فيقطعونه بالنار ساعة يشاؤون، ويسطون على حمولات تمر ما بين الساحل والداخل. اهمية منطقة القلمون استراتيجية رسمت أطر المعارك في كل ريف دمشق ومنعت هزيمة المسلحين فيه طيلة الشهور الماضية.
عندما سيطر الجيش السوري وحلفاؤه على قارة والنبك في الأسابيع الماضية، بقيت يبرود حصينة تحيطها المزارع على مساحات طويلة. في هذه المدينة مصانع ومراكز ومقومات المدينة الكاملة التي تفوق أهمية القصير. كل المراقبين توقعوا أن يصمد المسلحون في يبرود طويلا. المفاجأة حصلت بهزيمة سريعة للمقاتلين المنضوين تحت ألوية عدة. كيف حصل ذلك؟ أين “الجبهة الاسلامية”؟ أين تهديدات “داعش” و”جبهة النصرة”؟ وماذا كان يفعل “الجيش الحر” منذ سنتين ونصف في يبرود؟

انهيار جبهات المقاتلين بحسب المعلومات حصل نتيجة مقتل قياديين في الجبهة رصدهم الجيش السوري عبر مخابراته التي كانت تنشط سرا بين المقاتلين، فيما سلم الآخرون عدة جبهات في المدينة وسحبوا مسلحيهم نتيجة اتفاق سري حصل مع السلطات السورية مقابل خروجهم من المدينة بإتجاه رنكوس من دون سلاح ثقيل. يحكى هنا ان أموالا دفعت لقياديين في “الجيش الحر” مقابل الانسحاب فور بدء المعركة والهروب خارج سوريا نهائياً. طلب المسلحون مؤازرة من مجموعات اخرى في ريف دمشق فلم يستجب لهم احد، كل نأى بنفسه، شاهدوا هروبهم عن بعد وبدأوا يحسبون لوصول الجيش الى مناطق يسيطرون عليها.
سقوط يبرود في قبضة الجيش السوري وحلفائه كان سريعا. لكنها ليست النهاية في القلمون. ستشكل يبرود نقطة الانطلاق من جديد بإتجاه عسال الورد ثم رنكوس فالزبداني، وبذلك ينتهي الخط الجغرافي الممتد من حمص الى غرب دمشق وصولا الى محاذاة جنوبها. لم تتحدد ساعات الصفر بإتجاه تلك المناطق، لكن قرى اخرى محاذية للحدود اللبنانية، فليطا مثلا القريبة من عرسال، ستكون في مرمى الجيش السوري كي تكتمل الحلقة كما توحي المعلومات.
المطلعون لا يستبعدون سرعة في السيطرة على المناطق المتبقية كما حصل مع النبك حيث خرجت بعدها المسيرات المؤيدة للدولة السورية ترفع صور الرئيس السوري بشار الاسد. المعادلة اختلفت ويتوقع أن تترك أثرا على كل ريف دمشق. في الزبداني تجربة سابقة في محاولة عائلات وكبار المنطقة التوسط بين الجيش والمسلحين لتجنيب المنطقة شر القتال والتدمير. لمَ لا؟ قد تتكرر التجربة في المناطق الاخرى. خلال هروب المسلحين من يبرود حاولوا الدخول الى قرية حوش العرب القريبة من رنكوس لكن الاهالي منعوهم.
لم تعد المعارك مجدية للمسلحين. بعد سقوط القصير كانت قارة والنبك ثم عاصمة القلمون يبرود. والتجربة قد تكون مماثلة في باقي مناطق القلمون. ومن هنا يرجح مطلعون تقدم “معادلة الاستسلام تحت عناوين المصالحة أو التسوية”.
اهتمام السوريين ينصب ايضاً على حلب، إذ إنّ المعلومات تتحدث عن “مفاجآت” في المدينة وريفها خلال مدة قصيرة، ما يعني أنّ السلطة السورية صممت على استعادة ريف العاصمة وباقي حلب لتنضم الى اللاذقية وحمص وادلب والسويداء ومعظم درعا كمناطق مستقرة آمنة قبل حصول الانتخابات الرئاسية في تموز المقبل. ويبدو ان مسار الميدان السوري سيرسم وحده “جنيف 3”.

السابق
لغز الطائرة الماليزية لا يستبعد الانتحار
التالي
جرح 4 جنود اسرائيليين بعبوة في الجولان