ازمات معيشية لا ترحم والمواطن اللبناني امام تحد كبير

بين واقع مرير وأمل في الحياة أصبح المواطن اللبناني يعيش حياته اليومية، أزمة تلو الأخرى ولا من يجيب. أعداد الفقراء لا تعّد ولا تحصى وهي في إزدياد مستمّر يوما بعد يوم بسبب الأوضاع المتردية. فبحسب إحصائيات البنك الدولي يعيش 28% من اللبنانيين ما دون خطّ الفقر، أضف إلى ذلك أن 170 ألف مواطن مرشحون للإنحدار الى هذا المستوى نهاية العام 2014.

نسبة تختلف بين منطقة وأخرى إلا أنها تطال أبرز فئات المجتمع، فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، إذ إن نسبة هذه الشريحة تشكّل وحدها 48.4% من العاطلين عن العمل.

في شوارع بيروت الضّيقة تجولنا وبين حيّ التّنك وكرم الزّيتون تنقّلنا، واقع لا يمّت إلى الحياة بصلة. بيوت لا بل أشباه بيوت، شوارع تنبعث منها رائحة الفقر ولا من يبالي. وخلف هذه الجدران حكايات فقدت الأمل بغد أفضل، دعاء الموت الحاضر الأبرز والجامع على أفواه هؤلاء الأشخاص، يرون في الموت رحمة من العيش في ظروف قاسية. “الحياة قسيت علينا!” عبارة إستوقفتني في أحد المنازل، هذا المنزل الذي لا يتعدّى عدد غرفه الثلاثة يعيش أبو كريم وأولاده الثلاثة، معتمدين على قوتهم اليومي رغيف خبز. سوء الاوضاع حرمت الوالد من عمله الذي كان سنده الوحيد لإعالة أولاده، وبدمعة لا تفارق عينيه يستنجد الله أن ينقذ أبناءه من هذه الحالة المذرية.

إنه نموذج من الاف النماذج التي نصادفها في حياتنا اليومية وتخفي حالتها، من هنا لابد من التطرق الى الاسباب التي دفعت مئات العائلات لا بل الألاف إلى هذا المستوى الإجتماعي المتدني.

تختلف الأسباب التي أحالت المجتمع اللبناني الى أدنى مستويات الحياة الإنسانية منها ما هو متراكم مع السنوات ومنها ما هو وليد الاحداث التي تجري. فإرتفاع الأسعار وغلاء السلع بلا قيود أدّى الى تراجع في القدرة الشرائية لدى المواطن اللبناني الذي يكاد دخله الضعيف يكفيه. أما ازمة تدفّق النازحين السوريين ففاقمت الأزمة وزادتها سوءا، وتحوّلت عبأ على المواطن متسببة بتراجع سوق العمل أمام اللبناني الذي أصبح مهددا بالإنفصال عن وطيفته مقابل إستبداله بيد عاملة أجنبية ذو كلفةاقلّ. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن المساعدات التي تصل إلى النازحين السوريين فاقت بكثير تلك المساعدات التي تحظى بها العائلات اللبنانية واصبحت شبه مغيّبة عنه، فالجمعيات حوّلت مسار عملها من داخل المجتمع اللبناني إلى داخل مخيمات اللاجئين والسبب أن تلك المساعدات تدّر على هذه الجمعيات أرباحا مادية طائلة.

وهنا لا بد من الإشارة الى أن الخسائر الإقتصادية المترتبة من النازحين السوريين تقدّر ب 7.5 مليارات دولار بين العامين 2012-2014.
هذا من الناحية الإجتماعية أما من الناحية السياسية فالأمور أشد سوءا، إذ إن غياب أي سياسة خاصة من قبل الحكومات للحد من هذه الظاهرة الإجتماعية ادّى إلى دفن هذه المسالة وحولها الى مأساة يومية ضحيتها الاولى والأخيرة المواطن اللبناني. أضف إلى ذلك ضعف الموازنة التي تخصصها الدولة للشؤون الإجتماعية الحياتية إذ أصبحت شبه غائبة في السنوات الأخيرة لاتعنى سوى بالأمور الخارجية التي تستفيد من خلالها فقط الطبقة السياسية التي اصبحت برجوازية.

أما في ما خصّ الأسباب الإجتماعية فما من سبب مخالف سوى أن طبيعة هذا المجتمع الطائفي المنقسم يجعل إيجاد فرص العمل في غاية الصعوبة حتى من ذوي حملة الشهادات الجامعية.

كل هذه الأسباب مجتمعة ادّت الى تفاقم ظاهرة الفقر وحولتها الى مأساة إنسانية تصطاد المواطن اللبناني وحده الذي أصبحت حياته اليومية ترزح تحت تهديد الإنحدار الى ادنى المستويات.

أسباب كثيرة وطرق الحلّ ضئيلة والدليل التزايد المستمّر لأعداد الفقراء يوما بعد يوم. الا ان الدولة اللبنانية(الحكومة) وضعت برنامجا وطنيا بالتعاون مع وزارة الشؤون الإجتماعية وإستنادا الى مقرارات باريس 3 عام 2007 وهو برنامج يهدف لدعم الأسر الأكثر فقرا ويقوم على تحديد مستوى فقر الأسرة من خلال تقييم الحالة الإقتصادية والإجتماعية لهذه الأسرة. وبحسب تقارير صادرة عن البرنامج فقد تمكّن منذ أنطلاقته عام 2011 وحتّى اليوم من إستقبال 92 ألف طلب لأسر من كافة المناطق اللبنانية والتي تمّ تصنيف 46362 اسرة ما دون خط الفقر الأدنى.

إلا أن هذا المشروع وحده لا يكفي لتقليص العدد الهائل من الفقراء أنما يحتاج إلى جانبه تنفيذ خطوات عملية تتمثّل أولا بحلّ النزاع السياسي وتحقيق الأمن والإستقرار السياسي، ومن خلال وضع برنامج نموّ إقتصادي شامل يولّد فرص عمل جديدة للشباب اللبناني. أما من ناحية الوافدين السوريين الذين زادوا من حدّة الأزمة فلا بدّ من إجراء ضغط على الوزارات المعنية أهمّها وزارات العمل والإقتصاد والصناعة من أجل منع توظيف عمّالأجانب، الى ذلك يجب وضع مشاريع إنمائية تهدف الى تحسين المستوى الإجتماعي للمواطن اللبناني وتنفيذها.

في ظلّ الخطط الرسمية الغائبة وتفاقم الازمة المعيشية اليومية للمواطن اللبناني فإن الحلول المقترحة ليست سوى بمثابة تمنّ من كل لبناني على أمل أن تتحوّل ذات يوم الى واقع عملي يجنّبه عناء أكثر. الى ذلك، تبقى الاكثرية الساحقة من اللبنانيين رهينة ما ستؤول اليه تفعيل هذه الخطط الانقاذية وأتخذها على محمل الجدّ.

السابق
وزارة الصحّة تنقذ الهبّارية من وباء الصفيرة
التالي
الطيران المروحي الاسرائيلي يحلق فوق بنت جبيل