لا بيان .. ولا وزاري

مقولة الأب صائب سلام: "لا غالب ولا مغلوب"، ورثها الابن هذه المرة من خلال وثيقة إنشائيه فضفاضة مبهمة يمكن تسميتها بكل شيء الا "بيانا وزاريا"، لأنّه لا الدقة اللفظية تساعد على ذلك، ولا المهمة السياسية تسمح،، فهي كما هو مطلوب منها، لا هي بيان ولا وزاري .

أي متابع للعبة السياسية اللبنانية كان ليدرك أنّ النتيجة الحتمية هي التي وصلت اليه لجنة صياغة ما يسمى بـ”البيان الوزاري”. وبأنّ الأمور محسومة إلى النهاية التي افضت اليها .وهذا يكاد يعتبر من المسلّمات البديهية، بحيث من الوضوح بمكان أنّ هناك قرارا كبيرا وخارجيا يقف خلف تشكيل حكومة تمام سلام. وذلك بعد تعسّر لفترة دامت اكثر من 11 شهرا تمترس خلالها الافرقاء خلف شروط قُدمت على أنّها راسخة رسوخ الجبال ويستحيل تجاوزها، وتحت سقوف عالية كاد المرء ليقتنع أنّ القفز عنها دونه خرط القتاد. وفي ليلة ليلاء صارت المتاريس هباءا منثورا، والسقوف المرتفعة هوت على رؤوس الواقفين تحتها، والتقى الجمعان حول طاولة سلام، بينهما برزخ لا يبغيان، كأنه إعجاز نخل خاوية، فمن الطبيعي آنئذ ان أصحاب قرار التشكيل ما كانوا ليسمحوا الإطاحة بهذه الحكومة بسبب بيان وزاري لا يسمن ولا يغني من جوع. وما التأخير الذي حصل نتيجة التفتيش عن الصيغة المتعلقة بفقرة “المقاومة” الا بسبب حاجة حزب الله إلى تسجيل انتصار لغوي من اجل التعويض عن الخسارة التي مني فيها لحظة التشكيل والتي خسر فيها الوزارات الأمنية الحساسة.

وحزب الله يدرك أنّ فريق 14 اذار لا يمكن أن يضيّع فرصة وصوله اليها، وكأني بهذا الفريق يقول: الآن وقد وقعت مخالبنا به يرجو النجاة، ولات حين مناص.. وفعلا فقد نجح بذلك وها هو جمهوره عاد ليتغنّى بحذاقة قيادته من خلال استطاعته فرض كلمة “مقاومة” متفلّتة من “كنف الدولة”. فخرج هذا الجمهور من حالة الإحباط التي كان يقيم فيها منذ أسابيع، ونسي أمر الوزارات الضائعة!

وكما جرت العادة في لبنان، وعلى مشارف الهاوية الممنوعة، وفي ربع الساعة الأخير، تعود معادلة “لا غالب ولا مغلوب”، التي يحلو للبعض ان يصفها بـ”الحكمة”، بعدما أطلقها يوما الرئيس صائب سلام، والد الرئيس تمام سلام. لكنني أعتبرها محاولة توصيف تجميلي لدوامة الضياع التي نعيش ويعيش فيها البلد ولم يستطع الخروج منها، ليس الا. وقد تُرجمت هذه المرة من خلال صيغ كلامية يمكن لكلّ من الفرقاء المتصارعين أن يعزف منها لحنا يغنّي به على ليلاه، ليستمر بذلك في الرقص فوق جسد هذا الوطن المثقل جروحه، بدل تقديم بيان وزاري واضح المعالم يحوي وصفات علاجية هو بأمسّ الحاجة إليها.

فمقولة الأب: لا غالب ولا مغلوب، ورثها الابن هذه المرة من خلال وثيقة إنشائيه فضفاضة مبهمة يمكن تسميتها بكل شيء الا “بيانا وزاريا”، لأنّه لا الدقة اللفظية تساعد على ذلك، ولا المهمة السياسية تسمح،، فهي كما هو مطلوب منها، لا هي بيان ولا وزاري .

 

السابق
ابن تولين المعمّر أحمد أمين فاضل رحل عن 108 أعوام
التالي
مقاتل غاضب يستقيل من حزب الله! (السبب والدوافع)