د. عبّاس رضا: على المؤسسات الشيعية الاندماج في الدولة

الدكتور عباس رضا
عن اطروحته في الدكتوراه حول "تطوُّر المؤسسات الشيعية في لبنان من البنية العائلية إلى البنية الطائفية"، كان حوار "جنوبية" مع الدكتور عبّاس رضا. فرسالته هذه تعالج شروط وعوامل تمأسُس الطائفة الشيعية وعلاقتها بالنظام السياسي الاجتماعي اللبناني، وهو يعتبر أنّ "التمأسس الحاصل عند الشيعة يرتبط بالبُنية العامة للمجتمع اللبناني" وأنّ "النظام غير الطائفي هو الكفيل بالحفاظ على حقوق المواطنين من كل الطوائف".

“تطور المؤسسات الشيعية في لبنان من البُنية العائليّة إلى البُنية الطائفيّة” هو عنوان اطروحة الدكتوراه التي ناقشها الباحث الاجتماعي عباس رضا قبل اسابيع فنال على اساسها تقدير جيد جداً. وكان لـ”جنوبية” لقاء معه.
“رعى النظام السياسي اللبناني، في المادة العاشرة منه، الطوائف في كافة المجالات ومنحها امتيازات إعلامية وتربوية وسياسية واجتماعية وحزبية، فحضنها وأعطاها المجال لتمارس حرية عقيدتها وعاداتها وتقاليدها وبناء مؤسساتها. فالطائفية تتعزز في لبنان، ليس كظاهرة عقدية وإنما كظاهرة اجتماعية وسياسية وايديولوجية، وخصوصا في ظل نمو المجتمع الرأسمالي اللبناني التابع والذي يعتمد على قطاع الخدمات، ولعبه الدور الوسيط بين الخارج الاجنبي والمحيط العربي. في ظل هذا النظام الاقتصادي الذي سهل انتقال الطوائف من الريف الى المدينة، بدأت تتنامى المؤسسات على مستوى كل الطوائف، مما عزز دور القوى الطائفية”، يقول رضا.
ويضيف: “بما أنّ النظام السياسي اللبناني يقوم على العلاقات بين الطوائف، وبما ان هذه العلاقات تتبع ميزاناً معيناً، وفي ظل نمو الرأسمالية اللبنانية، بدأ هذا الميزان يميل إلى كفة الطوائف الإسلامية، فهم بدأوا يتمدنون. تجلى ذلك ببناء مدارس، والدخول في الوظائف والأعمال المختلفة، وكان ذلك نتيجة النزوح من الريف الى المدينة، فأنشئت المدارس التابعة للطوائف. ضمن هذا الإطار العام، يمكن دراسة الحالة الشيعية، بصفتها أثبتت نفسها كحالة نمو كقوة طائفية، تعززت بقيام الأحزاب البديلة عن الزعامات المحلية المقاطعجية”.
ويكمل شارحا نظريته: “العناوين التفصيلية في الدراسة تناولت البنى العائلية لشيعة لبنان وانتظامها الإجتماعي والسياسي، وخلفيات البناء الطائفي للشيعة في لبنان، والأسباب التي أسهمت في بروز الطائفة الشيعية، وأثر التطور الاقتصادي- الإجتماعي في البنية السكانية لها، وتاريخية المؤسسية والحزبية الشيعية اللبنانية”.
وقد استعرض الفصل الثاني نماذج عن المؤسسات الدينية والإجتماعية والإقتصادية. من دور المرجعية الدينية، والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وحسينية النبطية مثلا. كما تضمّنت الرسالة دراسة المؤسسات الإجتماعية مثل: جمعية مؤسسات الإمام الصدر، وجمعية المبرات الخيرية، والجمعية الخيرية الثقافية، وهيئة دعم المقاومة. ودراسة المؤسسات الإقتصادية، كجمعية القرض الحسن، وجمعية جهاد البناء. وفي الفصل الثالث دراسة المؤسسات السياسية والتربوية والإعلامية: حركة أمل، وحزب الله، بالإضافة إلى تيارات شيعية أخرى. وبعض المؤسسات التربوية، مثل: الجامعة الإسلامية في لبنان، ومؤسسات أمل التربوية، وجمعية التعليم الديني، ومدارس المصطفى، والمؤسسة الإسلامية للتعليم، والمؤسسات الإعلامية، كقناة المنار، وإذاعة الرسالة، ومجلة العواصف. أما الفصل الرابع فقد تناول حالة المؤسسة الدينية، والإجتماعية، والإقتصادية. والفصل الخامس تطرّق إلى حالة المؤسسة السياسية، والتربوية، والإعلامية، ووظيفة جمعنة الطائفة من خلال تحليل واقع المؤسسات الشيعية في هذه المجالات وخصائصها.
يشرح رضا: “عالجت الاشكالية السؤال التالي: ما هي شروط وعوامل تمأسس الطائفة الشيعية، بمعنى تطور مؤسساتها من البنية العائلية الى البنية الطائفية، وما هي علاقة هذه العملية التطورية بالنظام السياسي الاجتماعي في لبنان؟”.
وكان الهدف من اختياره هذا الموضوع أن تكون نموذجا من ظاهرة عامة في المجتمع اللبناني وهي تمأسس كل الطوائف فيه. ولم تكن غاية البحث عزل الشيعة عن النظام السياسي اللبناني بشكل عام. فالتمأسس الشيعي يمثّل إعادة بنينة الطائفة بما يتوافق مع متطلبات التعايش مع البنية الإجتماعية الرأسمالية في لبنان، في سياق التحول العام للمجتمع والسياسة فيه، وليس بشكل منعزل عنه. فالتمأسس الحاصل عند الطائفة الشيعية يرتبط بالبنية العامة للمجتمع اللبناني، حيث يتجدد النظام الطائفي في لبنان، أو يعاد بناؤه بشكل تكون الطائفية هي العنصر الغالب الذي يحكم الحياة السياسية والإجتماعية في لبنان”.
برأي رضا أنّه “تطلَّب الانتقال من البنية العائلية إلى البنية الطائفية جهوداً حثيثة من العديد من الرجالات في مراحل متعاقبة على مستوى لبنان، بمؤثرات داخلية وخارجية وانقلابات لها علاقة بإسرائيل وسورية. بيد أنه لا يمكن تجاوز نقاط القوة والضعف في المؤسسة الشيعية، إلا بمجتمع يقوم على نظام دولة غير طائفي. لذا نستطيع أن نضع الحلول التي قد تسهم اكثر انسجاماً مع بنية الدولة وبنية الانفتاح على مؤسساتها. فربما أسهم غياب الدولة في تنامي هذه المؤسسات التي تقوم بوظائف هي من اختصاصات الدولة.
يكشف البحث عن نقاط القوة والضعف للمؤسسات الشيعية المختلفة. إذ يسهم نقد الذات في التطوير والتحديث، وفي ملاحظة “أهمية إلغاء النظام الطائفي للوصول إلى مجتمع لاطائفي يأخذ بعين الاعتبار بنية الانسان كإنسان. لكن لا يمكننا محو الزلل الموجود في المؤسسات الشيعية بدون مجتمع لاطائفي، فالأسس التي قام عليه النظام اللبناني مسيئة لكل الطوائف. إذا حكينا ببنية نظام لبناني بعيداً عن دائرة الطائفي نحكم على الانسان كإنسان وهو لصالح الطائفة والوطن والطوائف جميعاً. كما ينبغي على مؤسسات الطائفة الشيعية العمل على الاندماج في هذه الدولة، بشكل تحفظ هويتها، وترك الوظائف التي هي من اختصاص الدولة. كما ينبغي على الدولة عدم التخاذل والتملص من مسؤولياتها، فالنظام غير الطائفي هو الكفيل بالحفاظ على حقوق المواطنين من كل الطوائف”.
كلفة البحث زادت عن 30 ألف دولار أمريكي، وما يتمنّاه رضا هو أن تدعم الجامعة اللبنانية الباحثين، وتؤمّن لهم كل ما يحتاجونه خلال أبحاثهم التي قد تفوق طاقتهم. فأبحاث كهذه تقوم بها مؤسسات ومنظمات مدعومة مادياً ولوجستياً وسياسياً، وهي بمثابة عبء على الطلاب.

السابق
القوات ستحجب الثقة عن الحكومة
التالي
الهويّة الباردة التي يحوّلها التنازع السنّيّ – الشيعيّ هويّة ساخنة