حكومة الدخول إلى يبرود.. والتفرغ لسورية

يبرود
في طبيعة الحال يدرك حزب الله ان لا هذه الحكومة ولا غيرها قادرة على الزامه بقراراتها، ولا تقييد تحركه الامني والعسكري. والقوة التي يمتلكها عسكرياً وامنيا لا توفر له وحدها الطمأنينة النسبية في محيطه اللبناني، لأنها لم تستطع ان تمنع انتحاريين لبنانيين سنّة من تفجير انفسهم في مناطق نفوذه، وهو ربما ادرك مع الضغط الامني والاجتماعي والاقتصادي الذي فرضته مثل هذه العمليات، ان الاحتقان داخل الطائفة السنية لا يمكن التغافل عنه وادارة الظهر له.

كشفت عملية تشكيل الحكومة في مراحلها الاخيرة، اي منذ اعلن حزب الله قبوله معادلة الثلاث ثمانات، وصولا الى الاتفاق على بيانها الوزاري مساء يوم الجمعة، ان تيار المستقبل، وقوى 14 آذار عموما، نجحت في احداث بعض الاختراقات في معادلة الحكومة. وهي اختراقات ما كانت لتتحقق لولا اصرار حزب الله على تشكيل حكومة يشارك فيها تيار المستقبل على وجه الخصوص. لكنه اصرار لم يصل الى حدّ التسليم بشروط هذا التيار كاملة، لكن الى حدّ كان مفاجئاً لبعض حلفائه وغيرهم من المراقبين خصوصا في ما يتصل بموضوع “المقاومة”. في المقابل سجل تراجع تيار المستقبل عن بعض شروطه للمشاركة لا سيما شرط انسحاب حزب الله من سورية.
على ان ابرز الخروقات التي يمكن رصدها في البيان الوزاري ليس عدم ذكر اعلان بعبدا بالاسم، باعتباره كان متضمنا في عبارة “تنفيذ مقررات طاولة الحوار”، الواردة في البيان، وفي عبارة “التأكيد على سياسة النأي بالنفس تجاه الازمة السورية”، الواردة ايضاً. ابرز الخروقات تمثل في الشكل: في سقوط ثالوث “الجيش والشعب والمقاومة” التي طالما عمل حزب الله على تثبيتها في البيانات الوزارية للحكومات السابقة… عبر تثبيت مصطلح المقاومة باعتباره كائنا قائما بذاته، يعني طرفا محددا وجهة بذاتها، اي اسم علم لا يعني الاّ حزب الله.
إسقاط هذا الثالوث، الذي طالما اضفى عليه حزب الله صفة القداسة، استبدل بتأكيد “مرجعية الدولة في تحرير الاراضي المحتلة”، واكد “حق المواطنين في مقاومة اي عدوان”. والاشارة الى “المواطن” هنا هي اشارة الى من ينتمي الى وطن ودولة، اي الى مرجعية الدولة في التحرير والمقاومة. فلم تعد المقاومة هي الموكل اليها تحرير الارض.. بل الدولة. والمقاومة هنا عمل تطوعي للمواطنين لا يأتي في مسار من خارج اطار الدولة.اما لماذا حزب الله يريد حكومة؟ هل لحاجة الزمته بتقديم تنازلات لا تزال مفاجئة لبعض حلفائه؟
في طبيعة الحال يدرك حزب الله ان لا هذه الحكومة ولا غيرها قادرة على الزامه بقراراتها، ولا تقييد تحركه الامني والعسكري. والقوة التي يمتلكها عسكرياً وامنيا لا توفر له وحدها الطمأنينة النسبية في محيطه اللبناني، لأنها لم تستطع ان تمنع انتحاريين لبنانيين سنّة من تفجير انفسهم في مناطق نفوذه، وهو ربما ادرك مع الضغط الامني والاجتماعي والاقتصادي الذي فرضته مثل هذه العمليات، ان الاحتقان داخل الطائفة السنية لا يمكن التغافل عنه وادارة الظهر له.
ولأن حزب الله بقضه وقضيضه منهمك في الحرب السورية، فهو بات معنيا بالسعي من اجل معالجة الوضع الامني في ساحته الرئيسة، بأسلوب جديد، اي محاولة امتصاص حالة الاحتقان المولدة والحاضنة للارهاب التكفيري كما يسميه. إذ لا يمكن له ان يخوض حربين في الوقت نفسه، واحدة في الداخل اللبناني، واخرى على الاراضي السورية. هذا ما كان سيتفاقم في وجهه اكثر فاكثر فيما لو لم يقدم تنازلات تدفع تيار المستقبل الى المشاركة معه في حكومة واحدة. ما عزز من هذه الوجهة ان حزب الله يخوض معركة في سورية، لا في مواجهة اسرائيل. فلو كانت معركته مع الاحتلال الاسرائيلي لما كان قابلا او مستعداً لتقديم اي تنازلات ولو شكلية فيما يتصل بالمقاومة. وبالمعنى الاستراتيجي يريد حزب الله، من الصيغة الجديدة في البيان الوزاري، ان يفصل الساحة اللبنانية عن الساحة السورية. فصل يجعل من لبنان ساحة هادئة لا تخل بدوره السوري او تعطله امنيا او سياسياً. وفي هذا السياق تندرج مساعيه إلى عدم حصول اي انفجار على الحدود الجنوبية يجره ولبنان الى مواجهة مع اسرائيل.
هذا ما يظهره عدم سعيه لتوظيف العدوان الاسرائيلي الاخير على الحدود الجنوبية في محيط الغجر او على اطراف بلدة كفركلا. هو الذي لطالما كان يعرف كيف يستثمر مثل هذه الاعتداءات في احراج الاخرين. لكن هذه المرة كان هادئاً ومهدئاً، فيما قواته تستعد للهجوم على يبرود السورية.
غاية هذه الحكومة بالنسبة لحزب الله اليوم، وان كانت تنطوي على رغبة في تهدئة الساحة اللبنانية، تغطية المزيد من الانخراط العسكري في سورية. وما تحقيقه الانتصار العسكري على المعارضة السورية في يبرود الا جزء من معركة طويلة تعيد رسم الخيار الامني – العسكري، بعد سقوط خيار جنيف للتسوية السورية. فالمرحلة المقبلة سترمي بكل ثقل حزب الله في الميدان السوري، في معركة لا انتصارات حاسمة فيها.
لكن الثابت أن ادارة الحرب في سورية تدار بأفق استنزاف شامل. هذا ما قالته اكثر من جهة دولية، ومنها السفير الاميركي في سورية قبل شهر وهو يغادر منصبه الدبلوماسي نهائيا.

السابق
لواء احرار السنة يتبنى التفجير والضحايا اربعة
التالي
«جنوبيه»: الانتحاري استهدف سيارة مسؤول سرايا المقاومة في بعلبك خليل خليل