الحرب السورية انتقلت إلى لبنان من بوابة ضاحية بيروت الجنوبية

ازدهرت أعمال شركة تديرها عائلة صغيرة لبيع مواد البناء في الضاحية الجنوبية لبيروت, ولكن ليس لتشييد أبنية جديدة ما يغذي اعمالها, بل وضع أكياس الرمل وسواها للحماية من السيارات المفخخة.
تجد تلك الأكياس مكدسة عاليا على الأرصفة خارج البنوك والمقاهي في حي حارة حريك. فسكان معقل “حزب الله” هذا هم الذين يدفعون ثمن دعم الحركة الشيعية العسكري للرئيس بشار الأسد في سورية المجاورة. وقد ذهب أحد المطاعم بخطوة أخرى مميزة فعمد الى إقامة جدار سميك من الخرسانة المقاومة للانفجار.
شهد لبنان ارتفاعا في عدد التفجيرات الانتحارية هذا العام, وقد بلغ عددها سبعة منذ شهر يناير الماضي. ثلاثة منها وقعت في الضاحية الجنوبية المعروفة بـ”الضاحية” التي تعتبر اليوم هدفا رئيسيا للجماعات السنية المتطرفة. وقد أكدت جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة كـ”جبهة النصرة” و”كتائب عبد الله عزام” وكذلك الدولة الإسلامية في العراق والشام مسؤوليتها عن الجزء الأكبر من تلك التفجيرات مطالبة “حزب الله” بسحب مقاتليه من سورية.
يستعد السكان حاليا لمزيد من الهجمات الانتقامية مع دخول “حزب الله” معركة كبرى أخرى في الحرب الأهلية السورية دعما لقوات الأسد في محاولتها تأمين حدود بلدة يبرود.
يقول صاحب شركة مواد البناء آنفة الذكر أحمد شريف الدين إن:” هذا عمل” حتى لو أنه لا يرغب في تقديم هذه الخدمة. وقال انه يبيع نحو 300 كيس من الرمل يوميا, و ما يصل إلى الف كيس في اليوم التالي للانفجار.
وقال :”هناك الكثير من الطلبات(…) الناس خائفون “.
تحول جزء كبير من حارة حريك الى ركام جراء الغارات الجوية خلال الحرب بين إسرائيل و “حزب الله” عام 2006 لكن منذ ذلك الحين تم إعادة بنائه, واليوم يقبع المجتمع مرة أخرى تحت الحصار. و تعاني التجارة والأعمال بسبب تجنب سكان المنطقة قضاء الوقت في الشوارع.
يقول الآباء والأمهات إنهم يستخدمون الطرق الخلفية لتوصيل أطفالهم إلى المدرسة, بعيدا من الطرق الرئيسية التي قد تكون أهدافا للتفجيرات. وتعاني شوارع الضاحية في الوقت نفسه من اختناقات مرورية بسبب تفتيش الجيش اللبناني المركبات, كما هناك نقاط التفتيش الخاصة بـ”حزب الله”.
” إنه شعور دائم بالخوف ” هذا ما قاله علي زعيتر ( 32 عاما) الذي يعمل في متجر للدهانات الى جانب “الشارع العريض” (في حارة حريك) الذي كان هدفا لتفجير سيارتين في يناير. وفي وقت لاحق في الشهر نفسه وقع انفجار آخر على بعد نحو 50 ياردة, واضاف:”هذه ليست حياة, انه البؤس بعينه “.
تشجع بلدية حارة حريك التي أنفقت 150 الف دولار اميركي على التدابير الأمنية مثل الحواجز الخرسانية منذ أول تفجير في يوليو- الشركات على إخفاء أكياس الرمل وراء لوحات إعلانية للتخفيف من “التأثير النفسي” على السكان.
قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية – الاميركية عماد سلامي :”إذا كان الهدف من هذه التفجيرات إرهاب هذه الفئة من السكان, أعتقد أنهم نجحوا في ذلك “. قال محللون رغم أن :”الهجمات تأتي متقطعة ومتباعدة في المناطق التي تعتبر قاعدة دعم لـ”حزب الله”, فليس من المرجح أن يكون لها تأثير كبير على تقييد أنشطته العسكرية عبر الحدود. إذ تعهد زعيم “حزب الله” حسن نصر الله ان مقاتليه سيبقون في سورية طالما لزم الأمر ذلك”.
في الأسابيع الأخيرة, حاصر مقاتلو “حزب الله” و قوات الجيش السوري بلدة يبرود على بعد بضعة أميال من الحدود, كما أطلقت القوات الجوية السورية حملة قصف عنيفة على البلدة.
كلما جرى تصعيد العمليات في المنطقة, كلما ازداد وصول الجنازات الى الضاحية الجنوبية, قال السكان إن ثلاثة جنود من “حزب الله” قتلوا و دفنوا الاسبوع الماضي.
اعلن “حزب الله” إن عملياته في سورية ضرورية للحفاظ على أمن لبنان, وقال نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم إن:” يبرود مصدر العديد من المركبات المفخخة التي تستهدف بيروت”. لكن تفجير السيارات بدأ في بيروت العام الماضي فقط , بعد أن أعلن “حزب الله” دعمه العسكري للأسد.
قال محللون إن: “رد الفعل العنيف تجاه هذا الدعم أثر على سمعة “حزب الله” السياسية على أنه “حامي” الشيعة في لبنان, فمقاتلوه وبسبب تورطهم في سورية لم يردوا على هجمات من عدوهم التقليدي إسرائيل”.
اعلن الحزب الشهر الماضي بعدما قصفت اسرائيل موقعا له في لبنان للمرة الأولى منذ عام 2006 إنه “يختار المكان والزمان المناسبين للرد” في تهديد صامت يوحي بأنه لم يخطط لأي هجوم فورا.
يوم الاربعاء قبل الماضي اعلن الجيش الاسرائيلي انه قتل اثنين من مقاتلي “حزب الله” كانوا يحاولون زرع قنبلة على الحدود بين سورية ومرتفعات الجولان التي تحتلها اسرائيل, ولم يرد “حزب الله”.
في حارة حريك, الحي الذي تربطه بـ”حزب الله” علاقات عاطفية عميقة, ينظر الى من يغادر الحي كخائن, ومع ذلك, فإن بعض العائلات تهجر المنطقة. قال سكان إن اربعة او خمسة انتقلوا من الشارع العريض إلى أماكن أخرى في لبنان, وثمة آخرون من شأنهم أن يفعلوا إذا كان بإمكانهم ذلك.
قال حسين مرتضى (40 عاما) صاحب محل لبيع القهوة, إنه يسعى الى الهجرة إلى كندا, حيث أقارب زوجته. ومع انخفاض معدل الأعمال بنحو 80 في المئة هذا العام, قال انه حاول مرة أخرى جذب الزبائن من خلال استثمار ما قيمته 3000 دولار ثمن أكياس رمل, و نافذة بمظلات وطلاء ونباتات محفوظة بوعاء في الشارع لمنع المفجرين المحتملين من إيقاف سياراتهم هناك.
اضاف حيث هو على بعد بضعة أميال من مقهى استهدفه انتحاريان يوم 19 فبراير :”نحن نحاول, ولكن إذا كان شخص ما عازم على قتل نفسه, ماذا يمكننا أن نفعل”?
ليس غريبا على سكان ضاحية بيروت الجنوبية تلك الخسائر البشرية بسبب حروب “حزب الله”, ولكن العديد منهم لا يزالون مصممين حازمين.
قال أبو حيدر(43 عاما) , وهو عامل في محل:”بغض النظر, نحن معهم 100 في المئة”.
فوق أكياس من الرمل في الشارع العريض يظهر صورة لنصر الله يبتسم وكتب تحتها كلمات تردد صدى مشاعر حيدر: “ابتسامتك تحيي الأرواح” كما نقرأ “نحن معك أينما ذهبت”.

السابق
دولة المقاومة أم مقاومة الدولة؟
التالي
المالكي يحاول تسويق بشار