ما هي الحداثة وأين مجتمعاتنا العربية والإسلامية منها؟

محمد حسن الأمين
على أنّ اختلافنا تيارات ومناهجَ حول مفهوم محدد للحداثة، ومناهج تحقيقها وسبل الوصول إلى المعاصرة، أي دخول العصر، لا ينفي أنّنا متفقون – وهذا مهم جداً – على مبدأ أننا، أي الأمة العربية والإسلامية، ما زلنا خارج العصر، وعلى ضرورة العمل من أجل إنجاز الدخول إلى دائرة العصر، لنكون فاعلين فيه ومؤثرين في مساره وفي مستقبله.

ليست الحداثة فلسفة أو موقفاً فكرياً موحداً من العالم. وليست نزعة فكرية أو سياسية أو اقتصادية أو أدبية أو فنية بعينها. ليست الحداثة تياراً مستقلاً من باقي تيارات متعددة. فالصحيح إنّ الحداثة هي صفة عامة لتيارات واتجاهات في جميع حقول المعرفة والحياة والسلوك والإبداع، تكون متعارضة وغير محكومة لمنهج فكر فلسفي محدد..

وإذا استبدلنا مصطلح الحداثة بمصطلح المعاصرة، وهما تسميتان لمسمى واحد، سهل علينا أن نتبيّن بوضوح أكثر ما يعنيه هذا المصطلح – والمصطلحان، الحداثة والمعاصرة كلاهما يشير، من حيث المدلول اللغوي  إلى بعد زماني فكل حديث – زمانياً هو معاصر وكل معاصر حديث بالضرورة. على أنّ كلْتَيْ المعاصرة والحداثة كمصطلحين تخطّيا المدلول الزمني ليحملا معاً مدلولاً قيمياً معيارياً أي وفق المعايير والمقاييس التي يتبناها الباحث لمفاهيم الحداثة والمعاصرة..

ومن الطبيعي أنّ ثمة تفاوتاً كبيراً في تقييم ظاهرة ما، من حيث صحة إطلاق وصف الحداثة أو المعاصرة عليها، بين باحثَيْنِ ينطلق كل منهما من معايير مختلفة عن معايير الآخر. فلو أخذنا مفهوم الشورى في الإسلام مثلاً، وحاولنا أن نستفتي باحثين حول هذا المفهوم أحدهما يعتمد مقاييس الفكر السياسي العلماني الغربي، والآخر يرفض اعتماد هذه المقاييس ويتبنى فكر التجربة العربية الإسلامية، فسنجد أنّ الباحثين سيقدمان جوابين مختلفين بحيث يأتي مفهوم الشورى في جواب الأول مفهوماً سلفياً لا يمت إلى المعاصرة أو الحداثة بأية صلة، بينما الآخر قد يتبنّى بالكامل اعتبار مفهوم الشورى مفهوماً حداثوياً معاصراً إلى أبعد الحدود.

أوردنا هذا المثال لننتهي إلى اكتشاف الاشكالية التي تواجهنا أمام مصطلح الحداثة. فهي ليست علماً له قواعد وأصول محددة، وليست تياراً متجانساً في الموقف من الظواهر ولا في تحليلها. لذلك لا يعود ثمة من معنى للشعارات التي تدعو إلى دخول العصر وتبنّي الحداثة الفكرية والسياسية والإبداعية والاجتماعية.. إذاً، أي عصر وأي حداثة تطرحها هذه الشعارات؟ التي قد يطلقها في الوقت نفسه فرقاء لا يوجد جامع فكري مشترك بينهم.

نعم هناك مظهر واحد للمعاصرة قد لا تختلف التيارات المتعارضة بشأنه، هو ضرورة توافر تطور تقني مادّي، كما يتجلّى في الغرب المتقدم بهذا المضمار. ولكن حتّى في هذا المجال فإنذ الاختلاف قائم حول المناهج والسبل الموصلة إلى هذا الهدف.

على أنّ اختلافنا تيارات ومناهجَ حول مفهوم محدد للحداثة، ومناهج تحقيقها وسبل الوصول إلى المعاصرة، أي دخول العصر، لا ينفي أنّنا متفقون – وهذا مهم جداً – على مبدأ أننا، أي الأمة العربية والإسلامية، ما زلنا خارج العصر، وعلى ضرورة العمل من أجل إنجاز الدخول إلى دائرة العصر، لنكون فاعلين فيه ومؤثرين في مساره وفي مستقبله.

يتبين من هذا العرض أنّ البحث في موضوع (الإسلام وتحديات الحداثة) يتطلّب أن نمتلك أجوبة واضحة ومحددة، ومتفق عليها ليس على سؤال: “ما الحداثة؟”. بل عن سؤال:  “أيّ إسلام هذا الذي يواجه تحديات الحداثة؟ وأي تحديات تلك التي تطلقها الحداثة في وجه الإسلام؟”.

إذ من الواضح أنه لا توجد تعريفات متفق عليها حول هذه المفاهيم بين الأطراف والتيارات المعنية.. ومن وجهة نظري فإنّ المشكلة ليست في الاختلاف حول هذه المفاهيم، وليست في غياب تعريف متّفق عليه لهذه المفاهيم وإشكالياتها بين التيارات المعنية بحركة النهوض العربي والإسلامي. إنّ المشكلة – في نظري – هي في غياب الأسئلة وفي غياب حركة الجدل داخل كلّ تيار، وبين التيارات والاتجاهات المختلفة التي يتشكّل منها الفكر العربي والإسلامي المعاصر..

إنّ بلورة وعي مشترك لمفهوم الإسلام والحداثة، والتحديات، لا تتحقّق بتقوقع كلّ تيار على وعيه الخاص لهذه المفاهيم وما يتصل بها من مشكلات.. وأوّل خطوة حقيقية للاقتراب من الحداثة هي في كسر الحواجز التي تحول – حتى الآن – دون خوض سجال واسع في ساحة الفكر العربي – الإسلامي المعاصر حول هذه المفاهيم.

من حقّ كلّ فريق بين التيارات المختلفة أن يدافع عن وجهة نظره، وعن وعيه الخاص وتعريفاته التي يتبناها ولكن ليس من حقه أن يتحصن بموقف الرفض تجاه الشرطين التاليين:

الشرط الأول: الاعتراف للآخر بحقّه بالاختلاف.. من جهة.. وإعادة النظر في وجهة نظر الآخر، والبحث عن جوانب السلامة والصحة فيها من جهة أخرى.

الشرط الثاني: أن يمارس كلّ تيار إعادة النظر في قناعاته في ضوء السجال مع الآخر، وألا يمتنع عن التسليم بضرورة التغيير عندما تمليها ضرورات الحوار ونتائجه حتى لو طال التغيير الثوابت والمرتكزات التي يقوم عليها هذا التيار أو ذاك.

في ضوء ما تقدم، أسجّل ثلاث ملاحظات لا بد من أخذها بعين الاعتبار لتحديد مواقع أكثر دقة للتحديات بين الإسلام والحداثة:

1 – يتفق الجميع، إسلاميين وعلمانيين وما بينهما من تيارات بكلّ اتجاهاتها المتقاطعة، أو المتباعدة، على أنّ مسافة ما زالت تفصل بين الواقع العربي والموقع الذي يجب أن يحتله في عصرنا الراهن. ويتفقون على أنّ تأثير واقعنا العربي والإسلامي على أحداث العصر وموازين القوى فيه، إن لم يكن معدوماً، فهو في درجة ضعف متناهية.

2 – تختلف هذه التيارات فيما بينها لا على ضرورة إنجاز الحداثة العربية والإسلامية بمعنى الدخول إلى العصر واحتلال الموقع الحضاري المؤثر فيه، إنّما على معنى هذه الحداثة ومستلزماتها في العقيدة والفكر والسلوك والمنهج.

3 – تتفق معظم هذه التيارات – إن لم يكن جميعها – على أنّ الإسلام يشكل مكوناً حضارياً رئيسياً للعرب وللمسلمين، ولكنهم يختلفون في درجة تحكيم الإسلام بصياغة حاضر الشعوب العربية والإسلامية ومستقبلها.

من خلال هذه الملاحظات نتمكن بصعوبة أقلّ من تحديد مجالات التحدي بين الإسلام والمعاصرة وتحديد الموضوعات التي تصلح أن تكون مجالا للحوار والسجال لإثبات هذه التحديات أو نفيها.

السابق
الوطن السعودية: حزب الله يوجه صواريخه باتجاه عرسال
التالي
14 آذار إلى أين؟ وأين تكمن المشكلة ونقاط الضعف؟