مقاومة مع «حرية حركة»

ما جرى في غزة في اليومين الماضيين يقدم المثال الحي على ما قصده «حزب الله» اللبناني بإصراره على ضمان «حرية حركة المقاومة» وتشريعها في البيان الحكومي المنتظر.
وحركة «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية التي أطلقت اكثر من 130 صاروخاً على إسرائيل، سقط أكثرها في الأراضي المفتوحة ولم يتسبب بخسائر بين الإسرائيليين، اتخذت قرارها من دون العودة الى الرأي العام الغزاوي ومن دون التشاور مع بقية الفرقاء السياسيين في القطاع. قتل الجيش الإسرائيلي ثلاثة من ناشطيها فردت بدفع غزة الى حافة الحرب.
لقائل أن يقول ان الانتقادات تلحق بـ «معكسر الممانعة» سواء رد مباشرة على الضربات الإسرائيلية التي يتعرض لها على النحو الذي قامت به «الجهاد الإسلامي» او قرر ارجاء الرد «الى المكان والزمان المناسبين». وفي الحالة الأولى تُتهم المقاومة بالرعونة وبفتح معارك لا أفق سياسياً او عسكرياً لها، وفي الثانية يقال ان قادة «المقاومة» متخاذلون ولا يهمهم غير البقاء في مناصبهم والتمتع بامتيازاتهم وفرض سلطتهم على مواطنيهم، ليخلص صاحب هذا الرأي الى أن «الممانعة والمقاومة» محاربَتان سواء ردّتا على العدوان الإسرائيلي ام لم تردّا.
الانتقادات والرد عليها تعكس جانباً واحداً من مسألة المقاومة والاحتلال. ذاك ان المقاومة التي يقول «أسيادها» انها وإنهم لا يحتاجون الى إجماع مواطنيهم للقيام بواجباتها في التصدي للعدوان، تعلن ضمناً انها أدرى بمصلحة المجتمع الذي أفرزها اكثر من المجتمع ذاته، وإنها هي من يقرر ساعة الحرب والسلام واللحظة المناسبة للاشتباك العسكري او للتهدئة ووقف القتال.
ينطوي ذلك، كما بات معروفاً، على تجاوز أدوار الدولة والمجتمع وادعاء حيازة تفويض شامل مطلق غير قابل للعزل في التحكم بمصائر المواطنين وأرزاقهم. وغني عن البيان ان «الممانعين والمقاومين» يرفضون بحدة وتوتر، مناقشة مصدر التفويض المزعوم وحدوده وأجله. بل لا يرون مانعاً في اتهام كل من يدعو الى تنظيم التفويض هذا وضبطه بما يخدم حقاً استراتيجية الدفاع عن البلاد، بالخيانة والعمالة.
وتجري التعمية على كل محاولة لعقلنة المقاومة وسلاحها بسيل من الديماغوجية والتهويل. لكن رغم ذلك، لا بد من طرح السؤال عن معنى القصف الصاروخي الذي نفذته «الجهاد الإسلامي» في اليومين الماضيين. ماذا حقق؟ ماذا خدم؟ هذا ناهيك عن السؤال المعضلة عن غياب أي برنامج وطني للقوى المصرّة على حمل السلاح من اجل السلاح. قد ترتفع الأصوات منددة بهذه الأسئلة ومستندة الى ذخيرة «الكرامة» و»الثأر لدماء الشهداء» وما يعادل ذلك من كلمات فقدت معانيها. هذا الخواء في الخطاب والممارسة يبرر ربط التصعيد المفاجئ في غزة بدواع وحاجات إيرانية في المقام الأول، تتعلق برسائل يرغب راعي «الجهاد الإسلامي» ومموله بتوجيهها نحو أكثر من اتجاه.
بالعودة الى لبنان، يمكن القول إن «حرية الحركة» التي يطالب بها «المقاومون» ترمي أولاً وأخيراً إلى التخلص من القيود اللبنانية الداخلية (وهو داخل مخترق إسرائيلياً وخائن بالفطرة، على ما ينبئنا كتبة الممانعة)، وتكريس الارتباط العضوي بين المقاومة هذه وجداول الأعمال الإقليمية، ما دام «المقاومون» يعرفون قبل غيرهم الحدود التي يسمح لهم ببلوغها وما دامت أولوياتهم انتقلت إلى الحرب الأهلية المذهبية في الداخل، وبوصلتهم المباركة صارت تشير الى يبرود والقصير وحلب.

السابق
فيلتمان يحذر من التصعيد المقصود أو غير المقصود في أوكرانيا
التالي
وليد المعلم في مستشفى الجامعه الأميركية في بيروت