قراءة في دراسة «آراء»: احتقان لبناني غير مسبوق

كان من المفاجئ أن يستقبل اللبنانيون تشكيل حكومة تمام سلام بهذا الفتور. لم يرحب بها سوى 28 في المئة من اللبنانيين وفق دراسة أعدتها «شركة آراء للبحوث والاستشارات» في نهاية شهر شباط الماضي، ونشرتها جريدة «السفير» في عددها، أمس(ص4)، مع العلم ان اللبنانيين أيدوا بشدة تكليف الرئيس تمام سلام تشكيل الحكومة وبنسبة 71 في المئة([[) غداة التكليف مباشرة.

ليس هذا هو التغير الوحيد في رأي اللبنانيين خلال أقل من سنة. عادة كانوا يفرحون فور الخروج من واقع الفراغ الرئاسي أو واقع تصريف الأعمال، فحين وقع الفراغ الرئاسي بين تشرين 2007 وأيار 2008 وفي ذروة الشرخ العمودي بين اللبنانيين حينها، كان يكفي أن يعلن قطبا الصراع عن اتفاقهما على شخصية الرئيس المزمع حتى يهلل كل اللبنانيين لهذه الشخصية. ففيما كان 3 في المئة فقط من اللبنانيين يفضلون وصول العماد ميشال سليمان رئيسا في أيلول 2007، ارتفعت هذه النسبة إلى 50 في المئة بعد أربعة أشهر، أي في نهاية 2007([[) عقب طرح اسمه كرئيس من قبل الموالاة حينها (14 آذار) وقبول المعارضة بها بعد مرور أشهر على فراغ كرسي الرئاسة الأولى.
وكذلك الحال مع الرئيس نجيب ميقاتي في حكومة «كلنا للعمل»، فبالرغم من أنها تألفت من دون «قوى 14 آذار»، إلا أن 45 في المئة من اللبنانيين كانت نظرتهم اليها إيجابية مقابل 13 في المئة فقط اعتبروها سيئة.
أما اليوم، وبرغم أن الحكومة تمثل القوى الأساسية في المجلس النيابي من دون استثناء، إلا أن اللبنانيين لم يرحبوا بها واعتبرها 21 في المئة منهم أنها سيئة و36 في المئة عادية.
واذا تعمقنا في دراسة هذا السلوك، ومن زاوية فتح النقاش على مصراعيه، يمكن افتراض ارتباط هذا الموقف السلبي بالآتي:
ــ انقسام الشارع اللبناني وتمذهبه أكثر من أي وقت مضى، لا سيما في ضوء الأزمة السورية والانخراط اللبناني فيها بعناوين مذهبية ـ سياسية.
ــ جنوح الخطاب السياسي إلى الحدة المبالغ فيها وارتفاع لهجة التخوين وشخصنة الخلافات السياسية على ألسنة الزعماء السياسين ووضع خطوط حمر، ما قيد قدرة اللبنانيين على تقبل أي تبدل في الخطاب بين الأخصام ولو تحت ستار «المصلحة الوطنية».
ــ الكلفة الباهظة التي يدفعها المواطن يومياً بسبب غياب مقوّمات الحياة الأساسية من أمن وأوضاع اقتصادية سيئة، وعدم نجاح الطبقة السياسية منذ 2005 في اجتراح حلول جذرية لأمور تخص جميع اللبنانيين على مختلف مشاربهم كالكهرباء، الماء وتصحيح الأجور وبقاء الوعود مجرد عناوين انتخابية.
ــ أدى سقوط الدم اللبناني لهذا الطرف أو ذاك، في الأزمة السورية، الى جعل الجمهور أقل استعدادا لتقبل حلول توافقية لا ترقى الى الشعارات التي يرفعها ممثلوهم في المجلس النيابي. وعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يصف حكومة سلام بـ«الممتازة» سوى 11 في المئة من الشيعة، مقارنة بـ37 في المئة اعتبروها «سيئة» وهذه نسب معاكسة لبقية المذاهب.
ــ عدم إجراء الانتخابات النيابية أفقد الشارع فرصة تنفيس الاحتقان السياسي عبر صناديق الاقتراع وما يواكبها من حملات سياسية.
ــ من الواضح أن الأشهر الـ11 التي استغرقتها عملية تشكيل حكومة سلام، لم تكن مبررة عند معظم اللبنانيين، خاصة أنه سُمّي بإجماع نيابي لرئاسة حكومة الانتخابات النيابية، أي حكومة قصيرة العمر (3 أشهر) وبمهمة محددة، قبل أن تتبدل لاحقاً مع التمديد للمجلس النيابي الحالي.
ــ ثمة حالة من الملل والقرف عند غالبية اللبنانيين من الطبقة السياسية برمّتها. وهذا أمر أظهره استطلاع أجرته «آراء» في نهاية نيسان 2013 وأعرب فيه 60 في المئة من المستفتين عن تفضيلهم حكومة من غير السياسيين، مقابل 22 في المئة فضّلوا أن تكون من السياسيين.
الطبقة السياسية الحالية تبرّر سلوكها أحياناً كثيرة بمحاولة الارتقاء الى عصبية جمهورها ومحازبيها. وفي المقابل، يحمّل الجمهور هذه الطبقة السياسية مسؤولية استدراجه الى الاستقطابات الحادة. في المحصلة، تبرز الحاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى دم جديد يعيد ثقة المواطن بالسياسة والسلطة والمعارضة. لذلك، ينبغي القول إن الحكومة أمام امتحان إنجاز قانون عصري للانتخابات النيابية وظيفته الأولى ضخ دم جديد في الحياة السياسية.

([) مدير «شركة آراء للبحوث والاستشارات»
([[) راجع الدراسة المنشورة على الرابط: http://www.ararac.com/publications_en.php
([[[) نتائج استطلاع «آراء» بالتعاون مع «السفير» بتاريخ 11 آذار 2014، على الرابط الالكتروني الآتي:http://www.assafir.com/Article/2/341484

السابق
جعجع يهدد بالانسحاب من «14 آذار»
التالي
ماذا يريد الجهاد الإسلامي؟