العلامة السيد علي فضل الله: البلد لا يُحكَم إلا بالتوافق

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

والبداية من لبنان، حيث لا تزال الحكومة عالقة في خضمّ السّجال حول مفردات بيانها الوزاري، في الوقت الَّذي تستمر معاناة اللبنانيين على الصعُد الأمنيّة والاقتصاديّة والمعيشيّة، وفي ظل تداعيات ما يجري في المنطقة على البلد.

ونحن هنا، لا نريد أن نتنكّر لهواجس مَن هم شركاء لنا في الوطن، ولا لمخاوفهم، فالبلد لا يُحكَم إلا بالتوافق. وكم كنا نتمنى أن لا تكون مسألة مهمَّة ومصيريَّة، كمسألة مرجعية المقاومة، محل جدل، فتُعطّل المؤسَّسات والاستحقاقات من أجلها، ويوضع مصير البلد في المجهول، وخصوصاً بعدما عرف كل اللبنانيين، وبالوقائع، الدور الذي قامت به المقاومة على مستوى تحرير الأرض، حيث غيّرت موازين الصراع المستمر مع الكيان الصهيوني، الَّذي لا يعير وزناً لعهود ومواثيق دولية عندما تقتضي مصالحه ذلك، وهو يعلن يومياً، ورغم القرار 1701، أنه يجري مناورات لتدريب جنوده على كيفية الاعتداء على الأراضي اللبنانية.

وقد بات واضحاً، أنَّ أحد عوامل نجاحات المقاومة، هو سريّتها، وحريَّة حركتها، وعدم تحميلها الدولة اللبنانيَّة ردود فعل ما تقوم به، في وقتٍ لا تمتلك الدّولة بعد توازن القوة مع العدو. ونحن نأمل أن تمتلك ذلك قريباً، ليعود القرار كاملاً لها.

إننا نجدّد الدعوة لكلّ مَن هم في مواقع المسؤوليَّة، إلى أن يدرسوا هذه المفردة، انطلاقاً من مصلحة لبنان، بعيداً عن كلّ تعقيدات الواقع، فتدرس في إطار الحكومة، أو تُرحّل إلى لجنة خاصة لدراستها، وتنطلق الحكومة لمعالجة الاستحقاقات، وحلّ المشاكل الكثيرة العالقة أمامها. وإننا لا نزال نأمل، رغم كل التعقيدات، أن يرتفع المسؤولون إلى مستوى آلام اللبنانيين وتطلعاتهم، فلا تفرملهم في ذلك تبدلات الخارج وموازينه، ولا ضغط شارع هنا أو هناك.

ولا بدَّ لنا ونحن نعيش في ظل واقع اقتصادي ومعيشي صعب، ولا سيما في مناطقنا التي تعيش ظروفاً أمنية تعرقل حركة الحياة الطبيعية فيها، من أن نوجّه الدعوة للناس، لزيادة منسوب التكافل الاجتماعي بينهم، بحيث يتعاون الغني مع الفقير، ويتحمّل المؤجر المستأجر، وصاحب الدّيْن المديون، وتُخفف الأعباء على المواطنين؛ الأعباء التي تفرضها الدولة أو البلديات، أو تؤجّل، حتى نستطيع تجاوز هذه المرحلة الصعبة، وهذا لا يعني إعفاء الدولة والبلديات من مسؤوليتهم الكبيرة في هذا المجال.

وأمام حوادث الخطف التي تتكرر على النحو الذي جرى في الأسبوع الماضي، والتي هي محل إدانة من الجميع، ففي الوقت الذي نقدّر عمل الجهات الأمنية، التي سارعت إلى معالجة هذا الأمر، ندعو الجميع إلى التعاون معها، لمعالجة مسألة الخطف جذرياً، من خلال القبض على هذه الجماعات التي تربك مسيرة البلد، وتشوّه صورة هذه المنطقة أو تلك، وهذه الطائفة أو تلك… كما نريد لهذه المسألة الإنسانية والأمنية، أن تبقى في دائرتها، فلا تدخل بازار الاستغلال السياسي والانتخابي، وفي اللعبة الطائفية أو المذهبية أو غير ذلك.

أما سوريا، التي يستمر نزيف الدم فيها والدمار، فضلاً عن تفاقم معاناة النازحين الإنسانية، فلا يلوح في أفقها أي حل، بل نلاحظ أنّ الحلول السياسيّة بدأت تتّجه أكثر لحساب الحركة الميدانية، وهذا ما سمعناه من أحد الوزراء الخارجية العرب.

وعلى الرغم من هذا الجو، فإننا نعيد التشديد على الجميع، ولا سيما الدول الفاعلة في المسألة السورية، ضرورة العمل لإعادة تحريك عجلة الحوار الداخلي، الذي يبقى هو السبيل للحل، فالميدان لا ينتج إلا استنزافاً متزايداً للدم السوري، وللمال العربي والإسلامي، ولقوة سوريا ومنعتها، ويعمّق الانقسام في الساحة العربية والإسلامية، بما يخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة.

وفي إطار العلاقات العربيَّة ـ الإسلاميَّة، لا بدَّ من أن ننظر بإيجابيّة إلى سياسة اليد الممدودة الّتي تنتهجها الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة باتجاه الدول العربيَّة والإسلاميَّة، ولا سيما الخليجيَّة منها، والتي كانت بدايتها مع سلطنة عمان، حيث نأمل أن تلاقيها في المقابل يد ممدودة أخرى، تؤسِّس لعلاقات تعاون وأخوّة واحترام، وتساهم في تعزيز قدرات العالم العربي والإسلامي، في وقت هو أحوج ما يكون إلى الحفاظ على كل عوامل قوته، حتى لا يقع أسير عواصف الآخرين، الَّذين يريدون له أن يكون عالم صراعات وتناحر على مختلف المستويات.

أما فلسطين، فتستمر معاناتها الَّتي لا تقف عند حدود استمرار سياسة الاستيطان، والتهويد، وتدنيس المقدّسات، وليس آخرها ما جرى في قبة الصخرة. إنَّ هذه المعاناة تتواصل من خلال استهداف العدو للناشطين الفلسطينيين، كما جرى أخيراً، ما يحتّم علينا التحديق بفلسطين، وهذا ما ندعو إليه الشعوب العربية والإسلامية ودولها، وعدم نسيان هذه القضية واعتبارها على الهامش.

ونحن نرى أنَّ الرد الذي جاء من قبل فصائل المقاومة على هذه الاعتداءات، مثّل رسالة قوية في ردع العدوان المستمر على أبناء القطاع، وقطع الطريق على العدو، لمنعه من التمادي في استهداف المناطق الفلسطينية الآمنة، وهذه هي السياسة التي يفهمها العدو، وتردعه عن استمراره باعتداءاته.

ومن هنا، فإننا نشدُّ على أيدي المجاهدين، ونقول لهم كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

السابق
حكاية اصغر جاسوس في العالم ..الذي ارهق اسرائيل
التالي
ميريام كلينك ترشح السيدة جعجع لرئاسة الجمهورية