لائحة المخادعين في سورية

إذا كان مَخرَج المواجهة بين موسكو والغرب، مقايضة شبه جزيرة القرم بأوكرانيا مصغّرة حليفة للديموقراطيات الأوروبية ولواشنطن، ألا يقدِّم ذلك سابقة يُمكن سيدَ البيت الأبيض الرئيس الأميركي باراك أوباما و «قيصر» الكرملين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاتكاء عليها لوقف الحرب في سورية؟… فتضيع وحدة هذا البلد العربي، لينقذ «القيصر البعثي» طموح حليفه، النظام السوري الذي ما زال عاجزاً عن سحق المعارضة ووقف الحرب، بل يطبّق في بقعة جغرافية واسعة سياسة الأرض المحروقة: دمار شامل بالطيران والبراميل المتفجرة، بلدات تُمحى ومدنيون ينضمون ببساطة إلى إحصاءات القتلى الذين ربما تجاوز عددهم مئتي ألف، إذا أُضيفت إليهم قوائم المفقودين.
والعجز عن وقف الحرب بالقوة، أي سحق المقاتلين المعارضين للنظام في دمشق إذ لا يُسقِط احتمالات تقسيم سورية، وإقامة الكيان العلوي الذي تحتدم المعارك لشق ممرات تواصلٍ بينه وبين الحلفاء في العراق ولبنان وعبر العراق إيران بالطبع، لن يعني حتماً أن حروباً «صغيرة» ومديدة لن تندلع، ولو رعت روسيا بوتين ذلك الكيان.
ومرة أخرى، يجرّ المبعوث الدولي- العربي الأخضر الإبراهيمي خيبته إلى مجلس الأمن اليوم، ولعله يبدأ بتذكير «الكبار» في المجتمع الدولي بحقائق عن الحرب القذرة التي تتناسل حروباً وكوارث على حساب دماء السوريين الذين ما زال النظام في دمشق يصرّ على تفاؤله وثقته باختيارهم انتخاب الرئيس بشار الأسد مجدداً، إذا أُجرِيَ الاقتراع هذه السنة. مرة أخرى تطول لائحة المخادعين ممن ضلَّلوا، لإيهام الآخرين بأن الصبر وحده كفيل بوقف سفك الدماء.
للإبراهيمي هذه المرة أيضاً أن يطلب تفهُّم الأميركيين والروس مقتضيات مهمّته ليمارسوا ضغوطاً، لكن المعارضين وحدهم هم الذين دفعوا الثمن، بأيدي النظام و «القاعدة» و «جبهة النصرة» و «داعش»، فيما الروس والإيرانيون وحلفاؤهم من العراقيين واللبنانيين يساهمون في تجديد شرايين النظام وترميم رئتيه، ليواصل معهم «المعركة ضد التكفيريين والجهاديين». أما «الائتلاف الوطني السوري» فهو في الصيغة «الرسمية» لدى دمشق مجموعة «إرهابيين»، صيغة تحاكي تصنيف موسكو حكومة كييف الجديدة… إنه قاموس واحد، فيه تصبح «البعثية» أممية، وتتمدد إلى ضفاف البحر الأسود.
نفق الصراع في سورية ليل أسود، أكثر حقائقه وضوحاً، إلى التضحية بمئتي ألف سوري، تشريد 9 ملايين، ونحر إنسانية أكثر من خمسة ملايين طفل، وأن بشراً اقتاتوا بالأعشاب وطعام الحيوان، وجرحى عانوا عفونة الدم. مع هذه الحقائق، أي حل سياسي يريده من يرتكب الفظائع؟
سؤال بارد، لا يرتقي إلى حجم المآسي السورية، ومعها لم يعد ينفع تمديد مهمة الإبراهيمي ولا تنحّيه. معها تنتصب صُوَر لعلها تعبّر عن وقائع سياسية، بصرف النظر عن أوهام العظمة لدى بوتين، واختباء أوباما وراء انكفاء أميركا من الحروب:
* سيد البيت الأبيض يكره مشاهد الدم والقتل، يهرول في الاتجاه المعاكس لـ «القيصر»، لكنه يشتمه وإن بـ «نعومة». الأميركي يكتفي بورقة انتزاع «الكيماوي» السوري، وما «جنيف» إلا تفصيل بسيط، لا بأس أن يتحكّم الكرملين بمصيره.
* بوتين الذي ابتلع شبه جزيرة القرم، هل تُغريه بترك سورية ونظامها لمصيرهما، أو لإيران؟ حسابات رجل الـ «كي جي بي» لا بد أن تراعي مَيْلاً فطرياً لدى أوباما إلى السلام، فيقفز الكرملين إلى مزيد من التحدّي، والرئيس الأميركي إلى مزيد من الهرولة في الاتجاه المعاكس.
* الحليف الإيراني للنظام السوري لم يفُتْهُ أيضاً أن «نَجْم أميركا يأفل» كما قال علي لاريجاني، ليشجع الأسد على مزيد من «الصمود». فالأهم لدى رئيس البرلمان الإيراني أن الحكومة السورية «رحّبت بالإصلاحات السياسية»، في حين «لا تستمر ديكتاتوريات المنطقة إلا بدعم أميركي»!
كتشويه الجثث في سورية، بازار تشويه الحقائق مفتوح على مصراعيه. قاموس واحد في موسكو وطهران ودمشق، وفي بغداد كذلك، حيث «القيصر» العراقي لا يرى علاقة بين تمدّد الإرهاب والإعدامات التي تنفّذها سلطته بحجة مكافحة هذا الوباء.
ينسى لاريجاني التهافت الإيراني على التطبيع مع أميركا التي يصر على أنها «تدعم الإرهابيين»، ويتمنى النظام في دمشق حواراً مع واشنطن لأن هؤلاء «عدو مشترك»، وإدارة أوباما امتنعت عن إنهائه أو تقصير عمره، كما امتنعت عن تمكين معارضيه من الغلبة. ولعل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي استوعب «اللعبة»، ويدير شراكته مع أميركا وحلفه مع إيران بالشكل الذي يؤهله للطموحات الكبرى، على خطى «قيصر» روسيا.
بعد كل ذلك، أي أملٍ بنهاية لليل السوري الطويل؟ كثيرون ليسوا براء من دماء السوريين، لكنهم حاضرون دائماً في جنازاتهم.

السابق
قمر صناعي صيني يلتقط صورا لما يعتقد أنه الطائرة الماليزية المفقودة
التالي
ماذا يجري في الخليج؟