سوريا تحتضر

بعد قرن من المجاعة التي اجتاحت شرق المتوسط في الحرب العالمية الاولى والتي صنعتها القوى الخارجية المتصارعة وحصدت مئات الآلاف من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين، تعود المجاعة مرة أخرى، لكنها هذه المرة محصورة بسوريا، وهي من صنع النظام السوري بامتياز. للمرة الاولى منذ مئة سنة يموت السوريون بالمئات والآلاف من الجوع والمرض والبرد والقصف بالبراميل المتفجرة والاسلحة الكيميائية نتيجة الحصار الذي فرضه النظام على احياء ومخيمات وضواحي مدن، واسلوب الحصار والتجويع اسلوب قديم قدم البشرية، يستخدم ضد عدو خارجي، الا ان نظام الاسد يستخدمه ضد شعبه. في القرون الوسطى كانت الجيوش تستخدم المنجنيق لقصف المحاصرين بجثث الحيوانات الميتة كي تتفشى الامراض في صفوفهم. نظام الاسد يستخدم وسيلة عسكرية بدائية بمقاييس العصر، أي رمي البراميل المتفجرة فوق رؤوس المدنيين المحاصرين وخصوصا في حلب. نجاح نظام الاسد في ترويع حلب وتدميرها مماثل لنجاح آخر طاغية متوحش اسمه تيمورلنك “زار” هذه المدينة العريقة ودكها قبل 600 سنة.

مع دخول الفجيعة السورية سنتها الرابعة، لم تعد التحليلات السياسية والتقويمات الميدانية والاستراتيجية تجدي. كيف تحلل وتستوعب مقتل 10 آلاف طفل سوري، من أصل 140 ألف قتيل؟ كيف تقوّم وتدرس اقتلاع وتهجير اكثر من تسعة ملايين سوري وانتشارهم في مخيمات البؤس في الداخل وفي لبنان والاردن وتركيا والعراق؟ كيف تفهم وتستخلص العبر من تدمير الإرث الحضاري والثقافي لإحدى أهم الدول الحاضنة لأعظم ما خلقته الحضارات الرومانية والبيزنطية والمسيحية والاسلامية. من سيعيد بناء كنائس سوريا ومساجدها الرائعة، ناهيك بحمص وحماه وريف دمشق؟ من سيحاسب البرابرة الجدد أكانوا في صفوف النظام أم في صفوف “جبهة النصرة” و”داعش” وغيرهم من الذين يلفون أنفسهم بعباءة الاسلام السياسي والمسؤولين عن تدمير الجامع الاموي والاسواق القديمة وقلعة صلاح الدين في أم المدن السورية حلب؟ او الذين قصفوا مآذن وقباب التحفة المسماة جامع خالد بن الوليد في حمص، او الذين دنسوا كنائس وأديرة معلولا وصيدنايا وخطفوا راهباتها لفدية؟ أو البرابرة الذين لجأوا الى حصن الاكراد والذين قصفوه وجرحوا هذه التحفة المعمارية التي رممها الاستعمار الفرنسي – نعم الاستعمار الفرنسي – ليعيد لها مكانتها كإحدى اجمل قلاع القرون الوسطى في العالم كله؟
سوريا التي عرفناها وعهدناها وأحببناها تحتضر. أشعر كل مرة أكتب فيها عن سوريا كأنني أكتب مراثي، او ذكريات قصة حب مضى. سوريا تموت ببطء والعالم يفرك يديه ويتحسر ولا يتحرك. سوريا تموت وتجرّ معها لبنان، ونظام الأسد يخطط للبقاء فوق هرم هائل من الركام.

السابق
السيول دخلت المستودعات والمنازل بالمنية
التالي
سليمان ونظيره الفنلندي في الجنوب: لتكن المقاومة دعماً لحاجة الجيش