الطبقة السياسية اللبنانية تنقرض لصالح «العسكرة»

يوماً بعد يوم يتأكد اللبنانيون أن النظام السياسي الذي يظللهم استهلك عمره الافتراضي، وبات حكاية ترويها الأمهات لأطفالها مثل حكايات “أبو كيس” و”الجنيات” وغيرها، ولم يعد لهذا النظام على أرض الواقع أي أثر، اللهم سوى توليد الأزمات والفتن التي يدفع اللبنانيون ثمنها من دمائهم ومستقبل أبنائهم.

تخطى هذا النظام الخيبات والفشل والتآكل، ودخل في طور الإفلاس السياسي والموت السريري، وبات عاجزاً حتى عن إنتاج مؤسساته ومواقع حكمه، خصوصاً أنه لم يكن يوماً صانعاً لمواقع القرار فيه، بل تابعاً لإملاءات الخارج.
فشل “نظامنا السياسي” في إعطاء جرعة حياة لمؤسساته الإدارية، فكان أن نخره الفساد بكل مظاهره، ووصل عجزه إلى حد الفشل عن تنفيذ قرار إقامة محافظتين في عكار وبعلبك –الهرمل، فهل سيصدق اللبنانيون الكلام الذي أطلق بالأمس عن “اللامركزية الإدارية”؟
كما فشل أهل النظام في تجديد حياتهم البرلمانية، فكان التمديد للمجلس النيابي، اعترافاً منهم بخسارة أحد أبرز عناصر الشرعية التي يحتاجها أي حكم، ليحكم.
أما الحكم، الذي يضعه نظامنا في أيدي “السلطة التنفيذية”، وتحديداً بأيدي الحكومة مجتمعة، كما نص “اتفاق الطائف”، فإن الحكومة المزعومة غائبة عن الأنظار منذ نحو سنة، بعد أن دفعت الكيدية السياسية الرئيس نجيب ميقاتي إلى الاستقالة، وأدى انعكاس الصراع الدولي -الإقليمي على لبنان، إلى تعطيل تشكيل حكومة جديدة يرأسها تمام سلام، قرابة أحد عشر شهراً، تبين في نهايتها أن الاتفاق على بيان الحكومة الوزاري أصعب من تشكيلها، بما قد يضع البلد أمام تكليف جديد وكباش آخر قد لا يقل عنه حدة.
ليس ذلك فحسب، إذ إن الطبقة السياسية المتحكمة بالبلد، والتي تتوارثه كأنه قطعة أرض، أو شركة تجارية، أو حتى “سيارة أجرة”، مارست الحيلة على اللبنايين لتطيل من عمر نظامها، منذ أن اكتشفت أن لا شيء يجمع بينها سوى شريعة “مرقلي تمرقلك”، أي اسكت على سرقاتي لأسكت عن موبقاتك، وهكذا، كان الحل بالهروب من انتخاب رئيس من رموز الطبقة السياسية، واللجوء إلى رأس المؤسسة العسكرية وتنصيب “الجنرال” رئيساً، بأمر وتغطية من أصحاب القرار الخارجي، الذين يملكون الحق الحصري في تعيين الرئيس اللبناني، بعيداً عن كل الكذب الذي يتحفنا به المتغنون بالسيادة والمدعون بالقرار الحر.
هكذا حصل عندما وصل الرئيس إميل لحود إلى بعبدا، بعد أن زكته سورية والمقاومة ووافقت عليه أميركا والسعودية، وكانت الحجة أن تجارب الرؤساء المدنيين السابقين كانت إما مشاريع تأسيس حروب، مثل عهدي كل من شارل الحلو، والياس سركيس، وإما إعلان حروب مثل عهد أمين الجميل، أو حكم اللا لون ولا طعم الخاضع للرأسمال الدولي، كما في عهد الياس الهراوي.
كذلك، حصل مع الرئيس ميشال سليمان، الذي زار مصر وهو ما يزال في بزته العسكرية، والتقى رئيسها السابق حسني مبارك، ووقع في “الدوحة” على ما أعلنه في خطاب القسم من تبن للمقاومة وحماية لظهرها، وجرى انتخابه بشكل غير دستوري، نتيجة عدم تعديل المادة الدستورية التي ترعى انتخاب موظف لمنصب الرئاسة.
أما الثالثة، فيرى مطلعون أنها ستكون “ثابتة”، من حيث انقلابها السياسي، فالدول المؤثرة في مقدمها الفرنسيون والسعوديون، باعتبارهم أداة الحرب الأميركية على المنطقة، اختاروا المواجهة، مستغلين انشغال سورية، وهم يؤيدون التمديد للرئيس سليمان، بعد أن قدم كل أوراق اعتماده لهم بانقلابه على المعاهدات التي ترعى العلاقات اللبنانية – السورية، وبتهجمه على المقاومة ودورها، مما أفقده رضى أكثر من نصف اللبنانيين.
في المقابل، يواصل الأميركيون العمل من خلف الستار، فيؤيدون تغيير الرئيس وانتخاب وجه جديد، والرهان الآن على الإتيان برئيس لا دالّة للمقاومة وسورية عليه، وهذا يفسر الحرب الشعواء لمنع ذكر المقاومة في البيان الوزاري، فإما التمديد لمن أعلن عداءه للمقاومة، وإما انتخاب رئيس جديد سينفذ سياسة من جاء به إلى الحكم.
ليس ذلك انتقاصاً من قيمة قائد الجيش الحالي العماد جان قهوجي، ولا تعريضاً به، وهو الذي تؤكد كل الترجيحات أنه سيكون “الرئيس الحل” بعد أن تتعرقل طرق وصول المرشحين المدنيين، بل لأن مسار الأمور ينبئ بأن القوى الخارجية المؤثرة على القرار اللبناني تدفع الأمور نحو اتجاه تراجعي، بدأ برئيس مقاوم هو إميل لحود، وانتقل إلى رئيس انقلب على المقاومة وسورية، هو الرئيس سليمان، والآن جاء دور الرئيس الذي يسحب الغطاء الرسمي عن المقاومة، وينضم إلى جوقة أعداء سورية، والأمر، في الوقت عينه، إعلان لوفاة الطبقة السياسية، لصالح العسكرة، فهل خلت البلاد من رجال السياسة حقاً؟

السابق
اذاعة الجيش الاسرائيلي: إسرائيل تحذر الجهاد من قصف تل أبيب والقدس
التالي
جثة في حي الميدان في النبطية