قنوات «التت» في مصر: الصناعة الرابحة

ان تمتلك قناةً للرقص الشرقي في مصر، يعني أن تدفع الملاليم، وتكسب الملايين. يعني أن يشاهد قناتك جمهور عريض في مصر والعالم العربي، بما أنّ الإحصائيات تؤكّد حصول قنوات الرقص الشرقي على الحصّة الأكبر من نسب المشاهدة، في المقاهي المصرية والبيوت. يعني ذلك أيضاً، أن تخرّج قناتك نجمة شباك تذاكر، مثل الراقصة صافيناز، التي نالت شهرة واسعةً، بعد ظهورها على قناة «التت»، ولاحقاً على شاشة السينما. والأهم أن قناتك لن تتعرض أبداً للتشويش من قبل الـ«نايل سات».. أليس ذلك عرضاً مغرياً؟
إنتاج فقير
في عالم الفضائيات هناك ثلاثة مستويات للميزانيّة. في المستوى الأوّل، نجد قنوات ضخمة التكاليف، مثل شبكة «الجزيرة»، و«سكاي نيوز عربيّة»، وغيرهما. وفي المستوى الثاني نجد القنوات المتوسطة التكاليف، على مثال قناة «أون تي في» المصريّة. وفي الثالث، قنوات فقيرة التكاليف، وتتربع على عرشها قنوات الرقص الشرقي، أو قناة «فلول» التي أطلقتها مؤخراً سما المصري («السفير» 31/1/2014).
كل ما تحتاجه تلك القنوات، مكتب صغير، وبعض الأجهزة، وكان أوّل نموذج لها في مصر، قناة «التت». وكانت السلطات المصريّة قد شنّت حرباً على «التت» المملوكة من مجموعة السبكي، في شباط/ فبراير العام 2013، وصدر قرار قضائي بوقفها بسبب «ترويجها للفاحشة»، على اعتبار أنّ القناة كانت تعرض أرقام هواتف فتيات ليل، وتبثّ إعلانات لمستحضرات جنسية. وفي حزيران/ يونيو من العام نفسه، أقفلت السلطات المصرية قناة رقص أخرى، هي «دلع»، وكانت تبث من شقة في مدينة 6 أكتوبر من دون ترخيص، وألقت القبض على مالكة القناة الأردنية سناء هاني محمد. لكنَّ غلق هاتين القناتين لم يمنع ظهور فضائيات أخرى للرقص، منها «شارع الهرم»، و«بون سواريه»، و«دوم تك»، و«دلع البنات»، و«شقاوة». حتى أنّ مالكي «التت» و«دلع» حصلا على أحكام بالبراءة، نظراً لأنهما قدما ما يثبت أن قناتيهما حصلتا على تصاريح بالبث من أقمار صناعيّة خارج مصر.

24 ساعة فقط
إنشاء قناة للرقص أمر في غاية السهولة، فكل ما تحتاجه هو مكتب صغير، بجهازي كمبيوتر. الأوّل موصول بالانترت، لاستقبال الرسائل القصيرة التي تظهر أسفل الشاشة، والآخر للتحكم بشكل الشاشة، وشعار القناة، وتغيير شكل الأشرطة والنصوص المتحركة وغيرها. كما إلى «ميكسر»، وجهاز «بلاي بوكس» للبثّ، وخطّ هاتف. تحتاج بالطبع تسجيلات الرقص، ثمّ تتعاقد مع «نايل سات» لشراء حزمة بث ضعيفة بقوة بث 1.5 ميغا، والتكلفة لن تزيد عن 500 ألف جنيه مصري (71 ألف دولار تقريباً).
وبعد التضييق الممارس من قبل السلطات المصريّة على تلك القنوات، صار أصحابها يلجأون إلى شراء حزمة بثّ من شركات خارج مصر. إحدى أبرز تلك الشركات، هي شركة «نور سات»، إذ انّ قمرها يدور في المدار الخاص ذاته بـ«نايل سات»، ما يسهّل التقاط قنواتها عبره. مع العلم أنّ شراء تردد «نور سات» يكون أرخص بكثير من شراء التردد نفسه من «نايل سات»، لأن الشركة تضغط عددا هائلا من القنوات على الحزمة نفسها، ما يؤثّر على جودة الصورة ووضوحها. وبمجرد شراء البث، يمكنك البدء بالعمل خلال 24 ساعة فقط.

حصانة ضدّ التشويش
يؤكد ثروت مكي رئيس الشركة المصرية للأقمار الصناعية «نايل سات» لـ«السفير» أن الشركة أوقفت عدّة فضائيات خاصّة بالرقص الشرقي، خصوصاً تلك التي «تعرض محتوى جنسياً، وإعلانات مضللة». لكنّه يضيف: «هناك قنوات أخرى لا نستطيع التعامل معها، لأنّها تبث عبر أقمار أخرى يلتقطها «نايل سات» بسهولة. وتابع مكي أنّ وجود تلك القنوات بات «أمرا واقعا، فنحن في «نايل سات»، لا يمكن أن نشوّش على أي قمر صناعي آخر، فهناك قانون دولي يمنع ذلك».
أغلب الراقصات على قنوات «التت» أجنبيّات، ما دفع بالراقصة المصريّة فيفي عبده إلى إطلاق فضائيّة متخصّصة بالرقص الشرقي. ورغم أنّ تنفيذ الفكرة قد تأجّل، لانشغال عبده في تقديم برنامج «أحلى مسا» على «ام بي سي مصر»، إلا أنها أكدت جدّيتها في إطلاق المشروع. والهدف، «محاربة القنوات التي تستعين براقصات روسيات»، الأمر الذي تعتبره عبده «إهانة للراقصات المصريات». الراقصة «دينا» هي الأخرى ستدخل السباق ولكن ليس عبر قناة، ولكن من خلال برنامج لاكتشاف الموهوبات في الرقص الشرقي، تنتجه فضائية «القاهرة والناس». وكان من المفترض أن يُعرض البرنامج هذا الشهر، لكن القناة أجّلته بسبب الظروف السياسية التي تمر بها مصر حالياً.

السابق
ميشال سليمان : لا سلاح ممنوع عن الجيش
التالي
الحرب الباردة أم حرب الطاقة؟