بركة كفرتبنيت لم تكفها أمطار السنة

يستطيع أهالي بلدة كفرتبنيت، قياس نسبة هطول مياه الأمطار إبان فصل الشتاء، ومعرفة ما إذا كانت قليلة أم غزيرة من خلال كمية المياه الموجودة في بركة كفرتبنيت ـ النبطية الفوقا. فعندما تصل سعتها إلى حدها الأقصى وتفيض على جوانبها في شهر آذار، فمعنى ذلك أن السنة المطرية وفيرة وغزيرة وتبشر بالخير بالنسبة للمزارعين، ولا سيما مزارعي التبغ في قرى وبلدات كفرتبنيت والنبطية الفوقا والزوطرين الشرقية والغربية وأرنون ويحمر الشقيف، الذين يعتمدون اعتماداً كلياً على مياهها في زراعة التبغ وري المزروعات الأخرى من خلال نقلها بالصهاريج.

أما عندما تكون المياه في البركة أدنى من وسطها في مثل الفترة الحالية من السنة، فذلك مؤشر على أن الأمطار لم تصل إلى المستوى الكافي والمطلوب، وهي حال البركة اليوم. إذ أنها ما زالت دون الوسط بسبب شحّ المتساقطات، ما انعكس قلقاً وتخوفاً على زراعة التبغ والزراعات الصيفية الأخرى. أما البديل عن مياه البركة فلن يكون سوى مياه نهري الليطاني وزريقون ونبع الجرمق البعيدة نسبياً عن القرى والبلدات المذكورة، ما سيكلف المزارعين أعباءً مادية مضاعفة، لا قبل لهم على تحملها، في ظل معاناتهم الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.

تشبه بركة كفرتبنيت ـ النبطية الفوقا بحيرة صغيرة، وتشكل أكبر حاصل مائي يستعمل في زراعة التبغ والمزروعات الصيفية الأخرى في القرى والبلدات المجاورة، ولا تقتصر أهميها على هذه الناحية فحسب، بل تعدتها إلى الناحية الجمالية، إذ تحولت إلى منتزه طبيعي يقصده المواطنون والزائرون للتمتع بمنظر البركة وأمواجها المتكسرة ومياهها المتلألئة وجنباتها الخضراء، ولا سيما في موسم الربيع، بعدما خصها اتحاد بلديات الشقيف، و«جمعية أمواج البيئة» وبلدية كفرتبنيت بمشروع إنشاء طريق دائرية في محيطها وقنوات لتصريف مياه الأمطار الفائضة، وإحاطة الجزء الخطر والمنحدر منها بجدار، بهدف حماية السيارات من السقوط أثناء مرورها في الشارع المحاذي من جهة الشرق، وزود الجدار بالمصابيح الكهربائية وزرعت في محيطه عشرات الشجيرات، ما حول البركة إلى حديقة عامة أضيفت إلى «حديقة بوابة التحرير» التي أنشأتها بلدية كفرتبنيت قرب معبر كفرتبنيت سابقاً، وجعلها متنفساً للكثيرين من أهالي البلدة والعابرين على طريق عام مرجعيون ـ النبطية.

يقارب عمر بركة كفرتبنيت ـ النبطية الفوقا عمر البلدتين، وفق كامل بشر، الذي يشير إلى مصادفة وجودها في الطرف الغربي لبلدة كفرتبنيت على حدودهما المشتركة، ولهذا السبب كانت لفترة خلت موضع خلاف بين أهاليهما، ولا سيما عندما حاول مختار النبطية الفوقا السابق عبد الحميد غندور مسحها وضمها إلى عقارات بلدته باعتبارها جزءاً من أراضيها، ما أثار اعتراض أهالي كفرتبنيت الذين تداعوا للنزول إلى البركة والتجمهر عندها للحؤول دون مسحها أو ضمها إلى عقارات النبطية الفوقا.

كانت حجة أهالي كفرتبنيت في حقهم بالبركة، أنه بالرغم من إقرارهم بوجودها في أراضي النبطية الفوقا العقارية المحاذية للحدود الغربية لبلدتهم، إلا أنّ مياه الأمطار والينابيع الشتوية التي تغذيها مصدرها الأخيرة الأقرب إليها جغرافياً، وفق أحمد سعيد الأخرس، الذي يعتبر أنه لولا هذه المياه لكانت البركة قفراً لا ماء فيها ولا حياة، لذلك يحق لهم الاستفادة منها مع أهالي النبطية الفوقا الذين اقتنعوا أخيراً بهذه الحجة، وأقروا بمشاركة أهالي كفرتبنيت فيها. ومنذ ذلك الحين يتشارك أهالي البلدتين مياهها، كذلك سمحوا لأهالي قرى وبلدات يحمر الشقيف وأرنون وزوطر الشرقية وزوطر الغربية المجاورة بنقل المياه منها لاستعمالها في الزراعة.

تبلغ مساحة بركة كفرتبنيت ـ النبطية الفوقا نحو خمسة عشر ألف متر مربع وعمقها يزيد على العشرين متراً، وتعتبر من أهم وأكبر البرك في منطقة النبطية، حتى أنه يندر وجود مثلها في الجنوب، وفق كامل حسن جابر، الذي يلفت إلى أن مياهها كانت في السابق تستعمل في زراعة التبغ وسقاية الحيوانات وغسل الأواني المنزلية، كما كان الأطفال والأولاد يتعلمون فيها السباحة، وبوصول مياه مصلحة نبع الطاسة إلى منازل بلدتي كفرتبنيت والنبطية الفوقا في أواخر الستينيات استغنى الأهالي عن استعمال مياه البركة سوى لري الزراعات الصيفية، ولا سيما زراعة التبغ من خلال نقلها بواسطة الجرارات الزراعية.
كانت بركة كفرتبنيت ـ النبطية الفوقا في الماضي قليلة العمق، كما يتذكر حسين علي زيتون، مشيراً إلى أنه مع تطور زراعة التبغ المدعومة من الدولة وانتشارها على نطاق واسع في قرى وبلدات كفرتبنيت والنبطية الفوقا ويحمر الشقيف وزوطر الشرقية والغربية، عمد عدد من أصحاب الجرافات فيها إلى تعميقها ونقل تربتها بواسطة الشاحنات سنوياً، ما أدى إلى توسيعها ومضاعفة عمقها الذي يتجاوز العشرين متراً، بحيث باتت تستوعب مخزوناً هائلاً من مياه الأمطار التي يحتاجها مزارعو القرى والبلدات المذكورة لري مزروعاتهم في فصلي الربيع والصيف، ولولا وجود هذه البركة لكانت الزراعة متعذرة لندرة المياه في المنطقة وكلفة نقلها من الأماكن الأخرى

السابق
ماذا بقي من 14 آذار؟ وهل هناك فرصة لاعادة لملمة صفوفها؟
التالي
تظاهرة العاملات في بيوت الدعارة تكسر حاجز الصمت الاجتماعي في تونس