من يدير البلاد اذا لم تنل الحكومة الثقة ولـم ينتخب رئيـس؟

ازاء العجز السياسي وعقم الجهود المبذولة على خط توفير صيغة مخرج للبند الخلافي في البيان الوزاري ومع انتهاء مهلة الثلاثين يوما الممنوحة دستوريا لانجاز البيان يوم الاثنين في 17 الجاري سلطت الاضواء على الدستور لتلمس النتائج المترتبة على الحكومة في ما لو لم تنجز المهمة وتحديدا نص المادة 64 الذي ينص في الفقرة 2 على ما حرفيته: “على الحكومة ان تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوما من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها او اعتبارها مستقيلة، الا بالمعنى الضيق لتصريف الاعمال”.

غير ان هذه المادة التي لم تشر الى اجراءات عقابية، او عواقب تترتب على الحكومة اذا لم تنجز البيان ولم تستتبع بمادة اخرى تتناول هذا الشأن، كما غيرها من المواد الواردة في دستور الطائف تفتح باب التكهنات والاجتهادات الدستورية على مصراعيه تماما كما هو حاصل اليوم من انقسام في الاراء حول ما اذا كانت مهلة الثلاثين يوما حثا ام اسقاطا، وتتشعب القراءات في مرامي المشترع في المادة 64 فيعتبر بعض الفقهاء الدستوريين انها حكما مهلة اسقاط ما دامت استخدمت لغة الامر من خلال عبارة “على الحكومة” وان القانون لا يحتمل التفسير والاجتهاد فقد الزم النص الحكومة بهذه المهلة ويتبنى هذه النظرية رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي اعلن ان الثلاثين يوما هي مهلة اسقاط تصبح بعدها الحكومة لتصريف الاعمال.

في المقابل يؤكد آخرون ان المادة 64 لم تحدد عواقب عدم الالتزام بالمهلة بما يعني انها للحث وليس للاسقاط. ويقول وزير عدل سابق وقاض مخضرم لـ”المركزية” ان المشرّع اراد عبر هذه المادة وضع سقف زمني لاعداد البيان وحث الوزراء على انجاز المهمة سريعا لعدم الدخول في المماطلة. وبما انه لم يؤشر الى مرحلة ما بعد الثلاثين يوما في حال لم تحترم المدة ولم يذكر مثلا ان الحكومة تصبح مستقيلة اذا لم تنجز البيان فان الفرضية الارجح هي ان المهلة وضعت للحث وليس للاسقاط. واعتبر ان النصوص الدستورية مهما كانت دقيقة وشاملة لا يمكن ان يتوقع المشرع كل الاحتمالات ليقوننها، من هنا اهمية تطوير الدساتير واعادة النظر في بعض موادها لتعديلها بما يتلاءم مع المستجدات والا قد تصل الامور الى حدود تعطيل الدولة كما يجري اليوم ان بالنسبة الى عدم تحديد مهلة للرئيس المكلف لتشكيل الحكومة او لاعتكاف رئيسها او عدم الزام الوزراء توقيع القوانين وصولا الى الحالة التي نواجهها اليوم بالنسبة الى البيان الوزاري، مشددا على ان اي تعديلات يجب ان تأخذ في الاعتبار الظروف التي تمر بها الدولة والمجتمع بعيدا عن الغايات السياسية والطموحات الخاصة.

واذ اوضح ان المادة 69 التي تتناول ظروف استقالة الحكومة لم تشر الى اعتبارها مستقيلة في ما لو لم تنجز بيانها الوزاري بما يرجح فرضية مهلة الحث على الاسقاط اشار الى ان ذلك لا يمكن ان يعني في اي شكل من الاشكال ان هذه المهلة مفتوحة الى ما لا نهاية بل يجب على الحكومة انجاز البيان لتمثل على اساسه امام المجلس النيابي لنيل الثقة تمهيدا للشروع في العمل الفعلي.

ووسط التباين الواضح في الاراء الدستورية والاجتهادات القانونية حول مفاعيل المادة 64 وابعادها يقول احد الذين شاركوا في وضع اتفاق الطائف لـ”المركزية” ان المشكلة ابعد بأشواط من تباين حول تفسير المهل بين الحث والاسقاط ذلك ان خطرا حقيقيا يتهدد البلاد اذا لم تنجز اللجنة البيان الوزاري ولم تنل الحكومة ثقة المجلس النيابي ولم تحصل انتخابات رئاسة الجمهورية لسبب او لآخر، يتمثل في من يحكم البلاد انذاك ويتسلم زمام الامور، الحكومة المستقيلة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي ام الحكومة المشكلة من دون ثقة برلمانية؟ ويؤكد ان الالتباس واقع لا محالة على رغم ان كفة الميزان تميل الى الحكومة المشكلة ما دامت صدرت مراسيم تشكيلها، الا ان السؤال يبقى في مطلق الاحوال واجبا في ضوء غياب اي نص دستوري يتصل بهذا الشأن.

السابق
لجنة صياغة البيان الوزاري انهت اجتماعها وأحالت البيان إلى مجلس الوزراء
التالي
المشنوق: لا تساهل مع ظاهرة الارهاب ونتفهم القرار السعودي