حركة مقتدى الصدر حسناً أن تكون مناورة مقدمة لمشروع

السيد هاني فحص

أعتقد أن السيد مقتدى الصدر قد يستمرّ في موقف المقاطعة الباهظة والمحيِّرة، لأنه معتقد ومقتنع بها، وهذا أمر على جانب من الخطورة، أو لأنه مجبر على ذلك، بعدما استطاعت طهران أن تخترق صفوفه، بسبب تردده ورخاوة فريق عمله، بحيث أصبح في مجال التهديد بما هو أقسى من الصبر على الاستمرار في موقع المعارضة من داخل أطر الدولة ومؤسساتها.

وقد لا يستمر… هذا حسن بشرط أن يعود من دون ترجيح للعقدي على المطلبي في حركته ونشاطه واعتراضاته ومطالباته، وبشرط أن لا يعود فرداً ولا فئة، لأنه سوف يكون ضعيفاً في الحالين وقابلاً للاستفراد به وتهديده، ولكي يقوي أو يستقوي بالخطوة التي خطاها وفتحت عيون العراقيين على مخاطر الفتنة واحتمالات التقسيم التي فتح عينه عليها، والزيادة في انتقاص الاستقلال والسيادة، والتمادي في الاستبداد والفساد، لا بد أن يعود من خلال جبهة واسعة مختلفة ولكنها مؤتلفة على برنامج مرحلي إنقاذي للعراق… واستقلالي غير منغلق، ويؤمن بأن لجيران العراق وخاصة ايران نمطاً من العلائق التاريخية والمصالح التي لا يمكن اقتلاعها، بل من الواجب تهذيبها ومنع طغيانها، على حساب العراق والعراقيين، وذلك من خلال تأهيل العراق الى التعامل مع إيران من موقع الند، الذي باستطاعته ان يمنع النفوذ ويقبل بالدور الإيراني بمقدار ما تريد ايران أن تقوم بدورها ولمصلحتها ومصلحة شركائها، من خلال دور الآخرين وعلى اسس التفاهم العميق على احترام السيادة والاستقلال وخصوصيات العراق وذاكرته وأحلامه وتكوينه الاجتماعي ومصالحه وعروبة الانتماء ذات البعد الانساني الذي يتكامل مع المكونات القومية الاخرى ويحترم حدوده ولا يتحول الى مشروع عنصري استئثاري مدمر.

بهذا يستطيع السيد مقتدى أن ينقي تاريخه الخاص ويحمل تراث آل الصدر العظيم ويكون جزءاً أساسياً من ورشة إنقاذ للعراق في وحدته ونهضته وسيادته. والسيد مقتدى كما هو معروف ولا ينكره هو، كان منذ حصل التغيير في العراق عام 2003 يناور فيخسر مرة ويربح مرة، ويخسر بسببه العراقيون مرة ويربحون مرة أخرى… وكان هناك مَن ينتقده على ذلك ومن يقبله عليه… أما الآن فان المطلوب ان يكون السيد مقتدى مناوراً حقيقياً وبقوة وعزيمة، أي أن يرفع نبرته وعقيرته بالاعتراض والاحتجاج والتنديد والإدانة والتحذير والإنذار والمقاطعة، آخذاً في اعتباره أنه مطالَب، حتى لا يكون خاسراً ومعه العراق، وبهاجس تبرئة الذمة التي قد لا تبرأ بسهولة، إذا استمر في المقاطعة من دون أن يفكر باستثمار مناورته المدهشة هذه والمذهلة والمفهومة جداً، في العودة الى موقع أقوى وأفعل من خارج السلطة أو داخلها وكلا الأمرين يحتاج الى تحضير وتمعن وتدقيق وحذر وعزيمة…

ولعل ما سمعناه وقرأناه عن قراءات جديدة ومختلفة للسيد مقتدى، وعن تواصلات مع مختلفين دينيين وليبراليين وحتى علمانيين، مع تصريحه بأنه يكتشف حقائق لم يكن على اطلاع كاف عليها، لعل ذلك يساعدنا على توقع عودة الصدر عن قراره بقوة ذاتية وموضوعية وتحالفية، تثبت أن مدنيته تعادل تديّنه وتحتمي به، وأن رغبته في بناء دولة عراقية، أقوى من احتمال بناء قوة خاصة أو دولة طائفية لن تكون دولة بأي حال، ولن تكون سلطة مستقلة لأنها سوف تكون ضئيلة أمام ايران الصاعدة المعجَبة بصعودها المرصود بالمخاطر، إيران التي تعرف كيف تصادر دولة العراق وإرادته، ليس دائماً قطعاً، ولكنه قد يكون لمدة طويلة وباهظاً على العراق في كل حال، على الشيعة والسنّة وغيرهم من دون فرق إلا في الدرجة أو من دون فرق.

إن العيب في مَن لا تكون الدولة الوطنية العراقية هدفه وشغله، يبنيها بيديه وعرق جبينه ويقويها ويقوى بها، ويقدم لإيران ما ينفعها وينفع العراق ولا يدمره أو يحوله الى مستلحق مذعن.

(الراي)

السابق
ضاحية بيروت تتحول الى هدف بعدما وصلت حرب سوريا الى لبنان
التالي
الانباء: استياء “سني” في البقاع من ممارسات حزب الله