جولة في مخيمات صور بحثا عن حركات أصولية

كيف تبدو العلاقات اللبنانية الفلسطينية اليوم في ضوء بروز دور لعناصر فلسطينية في عمليات التفجير؟ ما هي تداعياته على مخيمات صور؟ هل يوجد جماعات أصولية؟ هل تزعزت الثقة بين مخيمات صور وأهل المنطقة؟ وهل ينسحب ما يجري داخل مخيم عين الحلوة في صيدا على مخيمات صور، بعد أن كتب على جدران مخيم البرج الشمالي كلمة "داعش" ومنع الدخول اليه لأي كان. أهل المخيم يتبرّأون من الموقوف نعيم عباس، والفصائل تنسّق مع "حزب الله وحركة أمل والجيش اللبناني والسلطات الأمنية".

داخل مخيم البص القريب من صور التراثية تختلف الصورة. تشعر كأنك في حي “صوري” لولا اللكنة الخاصة. حاجز للجيش تعبر منه الى زقاق المخيم حيث تتفرع المحال التجارية، اغلب زوارها لبنانيون “لأن الاسعار أرخص” يقول أحدهم.

لم يشاكس مخيم البص كما شقيقه عين الحلوة. نادرا ما يخرج “همسه” للعلن” ما يجعل الأمور داخله تبدو هادئة إلا من بعض الإشكالات “الطفيفة” كما يصفها الفلسطينيون هناك. وإذا كان أمنيا شبه هادئ فإنه يرزح تحت وطاة “لؤم الظروف الإنسانية القاسية”، فإنّ 60 %من عائلاته تعيش تحت خط الفقر. ويوجد نسبة كبيرة من شبابه عاطلين عن العمل، فضلا عن عمالة الاطفال. في الطريق تتعرف على واقع آخر من النسيج المجتمعي. فلا يمكن ان يكون المخيم بعيداً عن النسيج اللبناني، لأنّه دخل في عقده الستين وبالتالي تنسحب عليه مضاعفات الأزمات اللبنانية، لعل الامن اليوم هو محور القلق الفلسطيني اللبناني على حد سواء.

تقول نهى التي تتعلم مهنة قصّ الشعر النسائي (كوافور) في “جمعية البرامج النسائية” إنّ “الخوف يخيم على المخيم. وما ان تحلّ السادسة مساء حتى تهدأ الحركة ويدب السكون”، وعن السبب تقول: “المخيمات في خطر. ما حصل في برج الشمالي من كتابات لداعش على الجدران قد ينعكس سلبا علينا فهذا المخيم ومعه الرشيدية لهما تركيبة معقدة”.

تتركز الأعمال داخل مخيم البص. وهو يعدّ واحداً من 3 مخيمات في صور، معترف بها من قبل الاونروا: الرشيدية، البص والبرج الشمالي، إضافة الى 8 تجمعات في جل البحر، البرغلية، كفربدا، عدلون. وهي محرومة من ابسط مقومات الحياة. تقتصر فيها المرافق “الحيوية” على الأفران ومحال الأدوات المنزلية، لحام، سمانة وبعض العيادات الطبيّة, فيما المدارس تعدّ واحدة من ركائز الحياة “فالفلسطيني ذكي يحب العلم”، يقول أحد السكان.

يبلغ عدد السكان الفلسطينين في مخيمات صور 90 ألفاً ج وهم في ازدياد دائم. يضاف اليهم 3000 نازح من سوريا. ويعد مخيم البص من أصغر المخيمات إذ يمتد على مساحة نصف كيلو متر مربع، يبلغ عدد سكانه 8 آلاف نسمة، ويعد الاكثر أمنا وهدوءا، ويعاني من مشكلة ديمغرافية خطيرة.

منذ 1948 لم يطرأ أي تغير على المخيم الذي يتوسع عاموديا. ما يولد مخاطر كبيرة ، بيوت متلاصقة وازقة ضيقة، كل متفرع على واقع مغاير عن الآخر. في احد الازقة تجلس حاجة ثمانينيّة على كرسيها امام محل سمانة، يشغلها ما يجري خارج المخيم تقول: “يزرعون بيننا أوثانا إرهابية يغسلون عقول الشباب بأفكار لم نعرفها سابقا، وكأنهم يريدون ذبحنا مرة جديدة”، وتضيف: “يتبرأ الفلسطينيون من الإرهابي نعيم عباس وكل من تثبت إدانته”.

في الداخل تعمل ابنتها في تزيين “صوان اعراس” كمهنة تعتاش منها. فاغلب السيدات هنا يعملن في المطرزات والمهن الحرفية كتدبير اقتصادي وقائي: “الشباب لا فرص عمل لهم خارج المخيم”، تردف احدى السيدات: “لانه فلسطيني فالمهندس والطبيب وغيره لا يحق له مزاولة المهنة، أما ان يغير مهنته ويعمل في الباطون وغيرها او يطرق باب الهجرة”.

تقول خولة تميم، وهي فلسطينية قدمت من مخيم اليرموك ، تعمل في جمعية البرامج النسائية، إنّ “الفقر كبير هنا، ولا من يحرك ساكنا. الفصائل كلها نائمة او متلهية بامور اخرى. يوجد عوائل تعيش في غرفة يدخلها المطر أثناء الشتاء ولا تجد ما يعيلها: “كنا نعيش في مخيم اليرموك بسوريا كمواطنين لا لاجئين وللاسف صعقت من تردي الوضع هنا”. فعمدت خولة الى انشاء صندوق “العونة للفقراء”.

داخل مركز التدريب تتعرف على وجه آخر من الحياة. أغلب رواد المركز لبنانيات. تخضع السيدة هنا “لدورات تدريبية في التزيين والتجميل والخياطة واللغات والكمبيوتر وحتى الدعم النفسي والصحي”.

تمضي في رحلة غوصك فتارة تجد شباناً يدخنون النرجيلة، وطوراً عائلات تتلقى مساعدات من جمعية “نبع”. وفي مكان آخر “تتعركش” نظراتك بحاج ثمانيني على وجهه معالم فلسطين، يجلس بقرب زوجته ينتظرون دورهم في المساعدات. بدا الرجل حزيناً “فالوضع خطير والامن ع كف عفريت ومع ذلك أمضي في عشق فلسطين، كل ما يحصل اليوم من مناكفات سياسية وتمزقات أمنية، وبروز التكفير الفلسطيني من مخيم عين الحلوة، نحن براء منه ومحاولة تمزيق العلاقة اللبنانية الفلسطينية ما هي إلا خريطة طريق جديدة لتغير وجهة القتال من فلسطين الى العرب ومع ذلك لن امحو فلسطين فهي عشقي ومَثَلي”.

على قاعدة “ما بحك جلدك مثل ظفرك” تسير المخيمات اليوم وإن استعانت بلجان تنسيق خارجية من قبل حزب الله وحركة امل والجيش اللبناني، كتدبير وقائي احترازي من هجمة الفكر التكفيري الذي يجتاح مخيم عين الحلوة: “لم تتطاير شراراته الى مخيمات صور” يقول عضو القيادة السياسية لحركة حماس في لبنان جهاد طه في حديث لـ”جنوبية: “نتدارك الوضع ووضعنا خططاً وأضف أنه لا يوجد جماعات اصولية هنا”، يجزم طه: “فالحركات الاصولية بعيدة عن مخيمات صور، انصار الله وعصبة الانصار وحزب التحرير تتعاطى بإيجابية ومسؤولية عالية”.

داخل المخيم اجراءات مشددة، يجري اتباعها، بحسب طه، من ضمنها “التشديد على هوية من يدخل وويخرج من المخيمات، خصوصا اننا نستقبل نازحين من سوريا. وهناك قوة امنية داخل المخيمات مشكلة من عناصر الفصائل الفلسطنينية كلها، تعمل من اجل المساعدة على مواجهة التحديات، وتحديدا الشق الامني”.

يرى طه ان ما “يجري في لبنان من تداعيات امنية، المخيمات الفلسطينية ليست بعيدة عنها، فنحن والاشقاء اللبنانيون في خندق واحد وسفينة واحدة”، مؤكدا على “وجود تنسيق امني مشترك بين الفصائل الفلسطينية في مخيمات صور، من حركة الجهاد الاسلامي الى حركة فتح وحماس وبين حزب الله وحركة امل والجيش اللبناني والسلطات الامنية”. برأيه هناك “استهداف واضح للمخيمات لتسعير الفتن الداخلية، ما يضعنا امام مؤامرة كبيرة”. بثقة يقول طه: “غير مسموح لأحد العبث بأمن لبنان والمخيمات”. وهو يتبرّأ من نعيم عباس: “قرارنا واضح وهو رفع الغطاء السياسي والعائلي والاجتماعي عن اي متورط أيضاً”.

يعاني المخيم من أزمات لا تقل أهمية عن الأمن، أزمة إنسانية، ومشكلة ديمغرافية، تمدد عمراني عشوائي عامودي ومع ذلك يمضي سكان المخيم في الحياة. يكافحون ويأملون ان يعودو يوما الى فلسطين. ولكن ما يجري اليوم يغير المعادلة والوجهة!

 

السابق
الشيخ محمد حسين الحاج: عباس إبراهيم رجل الوطن والإنسانية
التالي
مسؤول سعودي: قرار إغلاق “الجزيرة” بالسعودية خلال أيام.. لانها “قناة الفتنة”