جلسةٌ لإنتخاب الرئيس في أيّار

لم يعد خافياً الفشل الذي أصاب مؤتمر باريس المخصص لمساعدة لبنان على معالجة التأثيرات الكبرى للحرب الدائرة في سوريا. ونتائج الفشل ظهرت واضحة من مقررات المؤتمر التي يمكن وصفها بأنها رمزية. وجاء ذلك خلافاً للدعم المعنوي الذي سبق انعقاد المؤتمر لناحية تأكيد حضور وزراء خارجية البلدان الكبرى والتي تمتلك القرار، والاهتمام الفرنسي به.

هذه المؤشرات جعلت كثيرين يعتقدون أنّ المؤتمر سيكون مدوياً وهو ما لم يحصل. وعزت الأوساط الديبلوماسية «الفشل» لسببين:
الاول، الأزمة الاوكرانية التي ارخت بثقلها على المؤتمر في ظل حضور وزير خارجية روسيا من جهة، ووزراء خارجية الولايات المتحدة الاميركية والدول الاوروبية المعنية من جهة أخرى.
الثاني، هو «التقصير» اللبناني في التحضير جيداً لمؤتمر دولي بهذا الحجم. ففي السابق كان الرئيس رفيق الحريري يتولى التحضير لمؤتمرات دعم لبنان والتي كانت نتائجها مليارات عدة من الدولارات، كان يسبق ذلك تحضير كامل ودقيق عبر مجموعات متخصصة، تؤدي في نهاية الامر الى النجاح المطلوب.
لكنّ هذه الاوساط لا تستثني انشغال اللبنانيين بالاستحقاق الرئاسي لتجعل منه سبباً لعدم التحضير الجيد لهذا المؤتمر الدولي، وهي تدرك جيداً الاشارات السياسية التي ستظهر في المؤتمر ليقرأ اللبنانيون من خلالها التوجه الدولي إزاء الاستحقاق الرئاسي.
وفيما ساد اعتقاد مخادع لدى البعض بأنّ المؤتمر سيشكل مدخلاً ممتازاً لخيار التمديد لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من خلال إدراج عبارة «رفض الفراغ» في البيان الختامي، بدا واضحاً أنّ العواصم الكبرى تمسكت بعبارة «وجوب اجراء الانتخابات الرئاسية» كتعبير واضح عن موقفها في هذا الإطار، كل ذلك في ظل حضور الرئيس الفرنسي المتعاطف مع خيار التمديد، إضافة الى جيفري فيلتمان الذي صدرت عنه إشارات خاطئة خلال لقائه بسليمان في نيويورك في ايلول الماضي.
وبذلك أصبح الخيار الدولي واضحاً لجهة العمل على إنجاز انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وعملياً لم يعد هنالك من مفرّ للدعوة الى جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل انتهاء ولاية سليمان في 25 أيار المقبل.
فالضغط الداخلي في هذا الاتجاه والذي يتولاه خصوصاً البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الحريص على مبدأ حصول الاستحقاق في موعده الدستوري، إضافة الى رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون الذي يراهن على فوزه في حال انعقاد الجلسة قبل 25 أيار المقبل، سيجعل من الصعوبة بمكان عدم تحديد موعد لجلسة الانتخاب.
فالراعي وخلال لقائه الرئيس سعد الحريري في روما اتفق معه على نقطتين:
الاولى، حضور كتلة نواب «المستقبل» عند تحديد موعدها. وطالما أنّ هنالك مرشحاً معروفاً هو عون قد حصل على تأييد كتل نيابية مثل «حزب الله» وتيار «المردة» وحلفائهما، فما على تيار «المستقبل» سوى الاعلان عن اسم المرشح الذي تتفق عليه قوى «14 آذار»، وليحصل التصويت. وقد التزم الحريري بذلك للبطريرك.
الثانية، وجوب التفاهم على قانون انتخابات نيابية جديد يلحظ إنشاء مجلس للشيوخ الى جانب المجلس النيابي وتحديد مسؤوليات كلّ منهما.
وعلى رغم ذلك لا تبدو الأوساط الديبلوماسية العربية واثقة من انبعاث «الدخان الابيض» خلال المهلة الدستورية المعروفة. فانعقاد جلسة الانتخاب شيء وانتخاب رئيس مسألة اخرى.
وحسب هذه الاوساط فإنّ الامور تتجه فعلاً الى جلسة ستعقد على الارجح مطلع أيار المقبل في ظل منافسة ستكون محصورة بين عون ومرشح فريق «14 آذار» (ما بين روبير غانم وبطرس حرب).
وبطبيعة الحال فإن أيّاً من المرشحين لن ينال غالبية الثلثين في الدورة الاولى، كذلك فهي تعتقد أنّ كلا المرشحين لن ينالا غالبية الـ65 صوتاً وفق حساباتها التي تشير الى أنّ كتلة النائب وليد جنبلاط ستقترع بورقة بيضاء لإقتناعها بوجوب إنتخاب رئيس جديد من خارج الاصطفاف السياسي الحاصل.
وتتحدث هذه الاوساط أيضاً عن مواقف مماثلة قد يتخذها نواب آخرون. وأمام هذا الواقع سيرفع رئيس مجلس النواب نبيه بري الجلسة لتذهب الامور في اتجاه فراغ رئاسي لشهرين أو ثلاثة أشهر ربما وفق اعتقاد الأوساط الديبلوماسية. ذلك أنّ عزل هذا الاستحقاق اللبناني الاساسي عن التطورات الاقليمية، وتحديداً السورية، ليس واقعياً.
ففي سوريا إنتخابات رئاسية ايضاً تبقى مثار جدل اقليمي ودولي واسع. وطالما أنّ هذا الاستحقاق له دلالات سياسية كبرى سيطبع التوجه السياسي في المنطقة وموعده تموز المقبل، فإنّ هذه الاوساط لا تستبعد حسم الاستحقاق الرئاسي اللبناني في مدة اقصاها شهر آب.
وقد يكون كل ذلك حاضراً في اللقاءات التي سيعقدها السفير الاميركي في لبنان ديفيد هيل خلال زيارته الثانية للسعودية في هذا الإطار والتي ستحصل بعد اسبوعين من الآن في طريق عودته من واشنطن الى بيروت. وستكون هذه اللقاءات مكملة لما سينتج عن زيارة الرئيس الاميركي باراك أوباما للسعودية.

السابق
لماذا حاولا قتل ريما الدبس؟
التالي
موقع الكتروني يتيح لمستخدميه البحث عن أقرب مرحاض