المقاومة: لماذا انقلب عليها عشّاقها؟

ولا مرة، ومنذ الطلقات الأولى للمقاومة، كان هناك خلاف على اصل شرعية المقاومة أو عدمه. حتّى عند المختلفين معها مبدئيا في تلك الحقبة. باعتبار أنّ حق مقاتلة المحتل هو أمر أكثر من بديهي ولا يحتمل الخلاف حوله. بل إنّ الذي كان يدور عليه النقاش والخلاف والشقاق هو حول جدوى المقاومة أو عدم جدواها، لا أصل وجودها كما يحصل يوم.

بغضّ النظر عما ستؤول اليه الصيغة النهائية للبيان الوزاري، وعن “العبارة التسوية” التي قيل إنّ الرئيس سعد الحريري سيطرحها بمناسبة 14 آذار لتشكل مخرجا توافقيا. وذلك ليخرج البيان الى النور متضمنا حتما كلمة “المقاومة”، تلك التي يعلم القاصي والداني ان عدم وجودها لن يبدل قيد انملة من واقع الأمور. كما ان وجودها أيضا لن يغير حقيقة ان حزب الله بسلاحه وخطابه السياسي وأدبياته لم يعد قادرا على التستر خلف تلك الكلمة بحروفها الخمسة. فجوهر الخلاف هذه الأيام صار اعمق يكثير من مجرد كلمة. وصعود هذا الخلاف الى السطح، هو الموجود أصلا منذ ما بعد التحرير العام 2000، انما مرده الى شيء من التفلت عند باقي اللبنانيين، من السطوة التي كان يفرضها الوجود السوري. واستمر الخلاف بأشكال مختلفة عبر السلاح نفسه الذي كان يقاوم المحتل ليمارس السطوة نفسها التي كانت تفرض فرضا صيغ البيانات الوزارية السابقة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى صعود الخلاف سببه وصول الأمور، خصوصا بعد مشاركة حزب الله في القتال داخل سوريا، الى حدود لم يعد استساغتها والتغاضي عنها ممكنا لما باتت تشكل من خطر كياني.

الملفت في هذا المجال هو الطريقة التي يصرّ حزب الله على الاستمرار فيها بمقاربته لما وصلنا اليه، وعدم اعترافه بأنّ مأزقنا نتاج تراكم هائل من الأخطاء السلوكية والخيارات القاتلة التي تلصق زيفا بعنوان “المقاومة”، واختصار هذه المقاربة بالطريق الاسهل عبر اعتماده أسلوب تخوين واتهام الآخرين، من خلال مغالطة سطحية ضحلة يعمل على تكرارها بشكل دائم تقول ان “المقاومة” لم تكن، منذ انطلاقتها، محل اجماع وطني، وليقول بالتالي إن ما نشهده هذه الأيام ان هو الا استمرار طبيعي لواقع قديم… وليستطرد طبعا انّ من يتحمل وزر ما وصلنا اليه هم فقط أولئك المعترضون على نهج المقاومة، وبعدها كفى الله المؤمنين شر أي عملية انتقاد ذاتي او عبء إعادة قراءة الخيارات والمسلكيات المرتكبة باسم المقاومة.

هنا لا يسعنا الا لفت نظر المعنيين الى امرين اثنين قد ينسفان أسس تلك المغالطة الوهم: أولا ولا مرة، ومنذ الطلقات الأولى للمقاومة، كان هناك خلاف على اصل شرعية المقاومة او عدمه. حتّى عند المختلفين معها مبدئيا في تلك الحقبة. باعتبار انّ حق مقاتلة المحتل هو امر اكثر من بديهي ولا يحتمل الخلاف حوله. بل إنّ الذي كان يدور عليه النقاش والخلاف والشقاق هو حول جدوى المقاومة او عدمه، لا اصل وجودها كما يحصل يوم. وما اثبتته الأيام هو صحّة القول الرامي بجدواها فقط!

الامر الثاني الذي يحاول حزب الله التغاضي عنه هو ان الكثير من الأصوات الاعتراضية اليوم انما هي تصدر عن أناس لطالما آمنوا وساندوا ودعموا تلك المقاومة. وهذا ما يجب ان يستدعي الوقوف مليا لقراءة أسبابه. فهو تحول يذكرنا بمرحلة وجود منظمة التحرير الفلسطينية التي فتح لها اهل الجنوب قلوبهم وعقولهم وبيوتهم وانتهى بهم الامر لنثر الأرز والورود على الدبابات الإسرائيلية “الغاشمة”. تلك التي كانت هي الأخرى تستطيع بذلك اتهام اهل الجنوب بالعمالة ووببغضهم المقاومة الفلسطينية. وهذا طبعا مجافي للحقيقة.

في الختام يمكن لحزب الله فرض كلمة “المقاومة” في البيان الوزاري العتيد، ولكن من المستحيل عليه فرض إعادة احترامها وحبّها في قلوب من كانوا يعشقونها… دون الوقوف طويلا وتصحيح القراءة الخاطئة .

السابق
راهبات معلولا الى الحرية اليوم ودعوة وسائل الاعلام الى ملاقاتهن على المصنع
التالي
الراعي: مهين للكرامة الوطنية أن نسمع من يتكلم عن الفراغ الرئاسي