نساء لبنان : %77 غير ناشطات اقتصاديًّا

في يوم المرأة العالميّ، وقبل الخوض في غمار التبجيل والتهليل لإنجازات النساء في مجتمعنا الذكوريّ الظالم، لا بدّ من وقفة أمام الإحصائيات والأرقام. فهل يصدّق أحدهم مثلا أن 77.2 في المئة من النساء اللواتي في سنّ العمل، غير ناشطات اقتصاديّا (غير عاملات ولا يبحثن عن عمل) مقابل 27.2 في المئة للرجال، وفق مسح العام 2009، الصادر عن «إدارة الإحصاء المركزي»؟ هذا طبعًا، من دون احتساب الأعداد الهائلة من النازحات والنازحين السوريين، الّذين يمكن إضافة قسم منهم إلى شريحة غير الناشطين اقتصاديّا.

فبينما بات المجتمع اللبنانيّ يعتبر نفسه متقدّماً عن سواه في ما خصّ وضع المرأة وحقوقها، تأتي الحقيقة لتكشف عن الفجوة الكبيرة في الدخل بين الرجل والمرأة في العديد من القطاعات. فهذه الفجوة تصل في القطاع الصناعيّ إلى 23 في المئة، 21 في المئة في الزراعة، 10 في المئة للتجارة، بينما ترتفع لتناهز 38 في المئة في قطاع النقل وأنشطة البريد والاتصالات السلكية واللاسلكية، وتنخفض إلى 6 في المئة بالنسبة للخدمات والوساطة المالية والتأمين. في خلاصة «المسح الوطني للأحوال المعيشية للأسرة 2007»، الصادر عن «إدارة الإحصاء المركزي»، تبلغ فجوة الدخل بين الرجل والمرأة في القطاعات كافة، 6 في المئة.
أما وفق مسح العام 2009، فتصل نسبة البطالة عند النساء 10 في المئة، مقابل 5 في المئة للرّجال، قبل أن ترتفع البطالة إلى أكثر من 20 في المئة مع وصول أكثر من مليون نازح سوري (علماً أنه لا توجد إحصاءات رسميّة لبنانية في ما خصّ البطالة).
تشكّل نسبة الأسر التي ترأسها نساء 15 في المئة، وغالبية هؤلاء السيدات أمّيات وتتجاوز أعمارهنّ 65 عاما. وتشكّل المهاجرات 23.7 في المئة من مجموع المهاجرين، مقابل 76.3 في المئة للرجال.
في المقابل، تتوزع نسبة العاملين في القطاع العام بين 31 في المئة إناثا، و69 في المئة ذكورا، بينما تبقى مراكز الإدارة والسلطة في معظم الأحيان بيد الرجال، مع بعض الاستثناءات في بعض الدوائر الرسمية والوزارات، حيث يبدو اختيار امرأة لشغور منصب إداري، من باب الواجب، أو ربّما لإسكات الأصوات النسائية المطالبة بالمساواة.
ترى جويل أبو فرحات رزق الله، وهي من مؤسسي «جمعيّة نساء رائدات»، أنّ «من واجب المرأة أن تعي بأنّ لديها دورا اجتماعيا واقتصاديا عليها القيام به والنجاح من خلاله»، موضحة لـ«السفير» أن «الاستقلاليّة الماديّة للمرأة تمكّنها أكثر فأكثر من إثبات نفسها، وعدم انتظار رجلٍ ليصرف عليها». وتلفت الانتباه إلى أنّ «المطلوب إلى جانب القوانين العصرية التي لا تميّز المرأة عن الرجل، ولا تعطي الذكور حقوقاً تفاضليّة، على المرأة أن تساند المرأة في المجتمع والنشاط الاقتصادي».
وإذ تتطرّق إلى مسألة وصول المرأة إلى مراكز مهمّة في الدولة عن طريق تطبيق الكوتا النسائية في البرلمان، ترى أنّه «على المرأة أن تعمل على تطوير نفسها وكفاءتها، فلا يجوز أن تتخرّج من الجامعة وتحصل على شهادة أو أكثر، وبعد ذلك تسجن نفسها في المنزل الزوجي، وتختصر مسيرتها في تربية الأولاد وإدارة الأمور المنزلية»، مشيرةً إلى أن «نسبة كبيرة من النساء يخترن هذا المصير، وهذه ظاهرة لم تعد مقبولة في العام 2014، في ظلّ النضال النسويّ المستمرّ».
تدعو رزق الله «النساء بمناسبة يومهنّ العالميّ، إلى التطلّع نحو إثبات الذات مهما كلّف الأمر»، مؤكّدةً أنه «ليس من السهل أن تطالب المرأة بحقّها من برلمانٍ ذكوريّ».

وجّه «معهد باسيل فليحان الماليّ»، أمس، تحيّة تقديرٍ إلى دور المرأة في القطاع العام في لبنان، بحضور نساءٍ ورجالٍ من ناشطين في المجتمع المدني، والجمعيات النسائية، أو موظفين وموظّفات في القطاع العام.
لم يخلُ اللقاء من مناوشاتٍ نسائيّة ــ ذكوريّة حول بعض المسائل الحقوقيّة، حيث بدا العنصر الذكوري بطبيعة الحال، الحلقة الأضعف، من ناحية العدد والحجّة المقنعة. تخلّل اللقاء عرض لتجربة الوزيرة السابقة وعضو المكتب التنفيذي في «الهيئة الوطنية لشؤون المرأة» وفاء الضيقة، والمديرة العامة لـ«وزارة الشؤون الاجتماعية» سابقًا نعمت كنعان، والمديرة العامة لـ«الأمن العام» بالوكالة سابقًا العميدة المتقاعدة دلال الرحباني.
تؤكد الضيقة أنّ «القطاع العام بحاجةٍ ماسّة إلى المساواة بين الرجل والمرأة»، ثمّ تستدرك قائلةً: لكنّ المساواة مسار تصاعديّ ومتطوّر، لذلك نرى أنّ وضع المرأة قبل عشرين عامًا، كان أسوأ ممّا هو عليه اليوم، حيث نرى نساءً في مراكز فنية، أكاديميّة، تقنية، إن كان في القطاع العام أو الخاص». وتلحظ أنّ «هناك تقصيرا كبيرا بحقّ المرأة إن كان من المجتمع أو من المرأة نفسها في بعض الأحيان، عندما لا تطوّر قدراتها ولا تسعى لتحقيق نفسها»، داعيةً النساء إلى «العمل على رفع الكفاءة، وتملّك المعرفة، وبذلك يستطعن مواجهة مجتمع يعتبر نجاحهنّ انتقاصًا من رجولته».
أمّا كنعان فتروي تجربتها في القطاع العام، معتبرةً أنّ «أوّل عائق في وجه المرأة، هو المرأة نفسها»، وتقول: «كنت أوّل امرأة تتبوأ مركز إدارة وزارة، لكن لا أذكر أنّ امرأةً واحدة اتصلت بي لتهنّئني».
وتلحظ أنّ ثمة ندرة في وصول المرأة إلى مراكز مهمّة في القطاع العام بسبب «الكوتا الطائفيّة»، معتبرة أنّ «الطوائف المتزاحمة تفضّل أن توصل رجلًا إلى السلطة، وتدعمه، فيما المرأة تتعب كثيرًا لتصل، وحين تصل يكثر أعداؤها والذي يريدونها أن تفشل».
في التجربة العسكريّة، توضح الرحباني أنّ «طريق المرأة الطموحة صعب، فالعـــــقبات لا تنتهي».
وتضيف: «كنت أشكر الله لأنني أرتدي بدلة العسكرية وعليــــها نجوم، وبالتــــالي كان الرجال يطيعون النجوم أي رتبتي، عندما تزعجـــــهم فكرة أنّني امرأة وأعطيهم الأوامر»، مؤكّدةً أنّ «الرجل يكــــره أن تتبــــوّأ امرأةٌ مركــــز ســــلطة، كيلا يطـــيعها، ويشـــعر أنّه أدنى منـها».

السابق
شرطيات لمكافحة الشغب في الضفة الغربية
التالي
كاثرين اشتون في طهران