حرب الاستنزاف الأوبامية

أخيراً، كشف الرئيس باراك اوباما المستور من المعلوم، من الوضع في الشرق الأوسط انطلاقاً من «الحروب» المستمرة في «الملعب» السوري، قال:

[«أنا أستمتع بمرارة بعبارة أنّ إيران انتصرت في سوريا. هذا يستنزفهم، لأنّ عليهم إرسال مليارات الدولارات».

[ «حزب الله» «وكيل إيران الرئيسي، كان لديه موقع قويّ ومريح في لبنان، يجد نفسه مهاجَماً من المتطرّفين السنّة، وهذا أيضاً ليس جيداً لإيران».

[ «الروس يجدون صديقهم الوحيد في المنطقة (أي الأسد) وسط الأنقاض وفاقداً للشرعية».

غيرة الرئيس الأميركي على الروس والإيرانيين مشكوك فيها جداً. الواقعية الأوبامية تقضي بترك الحرب دائرة في سوريا، ليستمر استنزاف القوّتين. خسائرهما أرباح دون كلفة له.

يستمر الانزلاق الإيراني و«حزب الله» المالي والبشري بقوّة وسرعة نحو هاوية مفتوحة على هاوية أعمق. إيران تتدرّج في انخراطها في الحرب. كان الدعم الإيراني بالخبراء و«بعض» المال. حالياً، إيران تقدّم للأسد المال بلا حساب. لقد انتقلت من الخبراء إلى التدخّل المباشر. أصبح واضحاً وجود جنود أو ضباط من «فيلق القدس»، العائدون من جبهة القلمون يؤكّدون تولّي ضباط بقيادة الجنرال قاسم سليماني إمرة العمليات، لأنّ ثقتهم بالضباط والجنود السوريين مفقودة. بدوره «حزب الله» الذي اعتقدت قيادته أنّ معركة «القصير» هي آخر المعارك، تكتشف اليوم أنّ ما بعد القصير غير ما قبله. في يبرود الخسائر تتزايد يومياً في معركة مفتوحة على كل الاحتمالات. ولبنان الذي كان «أرض نُصرة» تحوّل إلى «أرض جهاد». أيضاً يجب ضمّ خسائر إضافية إلى الخانة الإيرانية (وبالتالي أرباحاً متراكمة إلى الخانة الأميركية) بسبب لواء «أبو الفضل العباس» العراقي، وأخيراً القادمين الجدد من «فيلق بدر» الذي يتزعّمه وزير النقل العراقي هادي العامري الأكثر تدريباً وخبرة وانصياعاً مباشراً لقيادة الجنرال سليماني. طهران بقيادة المرشد آية الله علي خامنئي تخاف من الهزيمة في سوريا، لذلك تضاعف مشاركتها في القتال، في وقت يتلذّذ أوباما ويسخر فيه من «لاحس المبرد الإيراني».

«القيصر» أربك نظيره الأميركي أوباما، لأنّه بدا متردّداً وضعيفاً أمام تصلّبه واندفاعه الشرس. الآن، يمكن لأوباما أن «يضع رجليه في ماء بارد». خسائر «القيصر» تتراكم في سوريا وأوكرانيا.

أوكرانيا بالنسبة لـ«القيصر» مثل سوريا بالنسبة لـ«المرشد». المأزق واحد، لأنّ معركتهما هنا وهناك هي معركة المربّع الأخير، لا يمكن تحمّل الخسارة ولا الانسحاب منهما، في وقت لا يمكن فيه تحقيق الربح، لأنّ الحسم العسكري ممنوع هنا وهناك رغم تعدّد الأسباب واختلافها. خروج إيران من سوريا، يقطع علاقتها «ميدانياً» مع فلسطين وقضيتها، فيفقد خطابها الايديولوجي كل زخمه، كما يضع ظهر «حزب الله» إلى الحائط في مواجهة احتمالات مجهولة. وأخيراً يضعف كل حلفائها من الشيعة العراقيين، فتخف «قبضتها» تدريجياً على جارتها العراق.

أمّا موسكو «البوتينية»، فإنّ منسوب خسارتها في أوكرانيا يرتفع. القوّة العسكرية ممنوعة، ومواجهتها للتضييق الاقتصادي وليس حتى المقاطعة محدودة. روسيا بحاجة للمستهلك الأوروبي من الغاز، وأوكرانيا هي الممر الإجباري لهذه الثروة، وبقدر ما يمكن لـ«القيصر» رفع رصيده لدى القوميين الروس لأنّه «سيستعيد» القرم فإنّه يمسك بـ«كرة من النار» بسبب التعدّد الاثني فيها. في القرم 14% من السكان من التتار المسلمين، «حزب التحرير» وغيره لهم وجود مهم وخطر.

الأسد وحده دعم «القيصر» في أوكرانيا، أما إيران فقد التزمت الصمت تقريباً، فلم تقف إلى جانب حليفتها روسيا، ولا هي هاجمت واشنطن بعد أن انتهت مرحلة «الشيطان الأكبر». بعض صحف طهران عبّرت عن عمق المأزق الذي تمرّ به السلطة في إيران إذ قالت «الغرب ينتظر أدنى تحرّك من موسكو على الجبهة الأوكرانية ليشكّل ذلك ذريعة لهم للتدخّل المباشر في سوريا».

«مأزق» موسكو وطهران و«حزب الله» مستمر، وأرباح أوباما تتصاعد وخسائر الشعب السوري تتضاعف.

السابق
التراجع الذي يضرب مصر
التالي
تصوير ما تحت التنانير قانوني