البيان الوزاري بين الخشب والذهب

نعلم، ان اللغة العربية مطّاطة جداً، وإنها كثيرة الدلالة والتَوْريات في صياغة البيانات، لدرجة أن أحد المستشرقين لفَرْطِ إعجابه باللغة العربية قال: إنك تستطيع بها أن تُخْفي جبلاً وراء كلمة «لَوْ».

ولكن، لم نكن نعلم في المقابل، أنَّ الوزراء أيضاً مطّاطون، وأنهم يختبئون وراء جبل من الثلج، مع أن إنقاذ البيان الوزاري لا يكون بالكلمات وإنْ توشَّتْ بالذهب، بل بتلك الأصابع السحرية التي وشَّتِ السجاد العجمي برمال الصحراء، والتي لولاها لما كان التأليف الحكومي المسحور.
يومها كانت عصا موسى تلامس يد الرئيس الأميركي، فيما ينْشغل هو اليوم بالفيلم الأميركي الطويل الذي يتبادل أبطاله الأدوار بين أوكرانيا الأوروبية و»الأوكرانيات» العربية وكيميائيات الفرس، ولم يعد أمامنا من أمَل يرجى إلاّ بتلك الزيارة المزدوجة الموعودة التي قد يقوم بها العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع الى السعودية لتأدية فريضة الحج، على أن يصطحبا لجنة البيان الوزاري الى منابع الذهب الأسود فيكون في ذلك تذليلٌ لعقدة الذهب والخشب: لأنّ بالنار امتحان الذهب، وبالذهب امتحان الرجال، والخشب تُصْنَعُ منه العصا مثلما يُصْنع من الخشب الصليب.
الوزراء يتقاتلون على الكلمات، والناس على الكلمات الوزارية يُقتَلون!
والوزراء غارقون في بحور من الهجاء السافر والغزل الكاذب والصيَغ العقيمة، والناس غارقون في الوحل وفواجع الزحف الغريزي… مكبَّلون بدولاب الطاحونة الحمراء… يسيرون بين التفخيخ والتفجير ومعهم الخبـير العسكري.

كل شيء في لبنان، سقط أو يكاد: الوطن، الأرض، الدولة، السيادة، الشرعية، الحرية والأمن والإقتصاد… وسلطة الدولة والحكومة والقيادات والأحزاب والنواب كلّهم يمارسون لعبة مخادعة التاريخ، وليس هناك من يراقب، وليس هناك من يحاسب، والمسؤول مجرمٌ إنْ حكى، والمظلوم متَّهمٌ إنْ شكا.
بأي انهزامية يائسة يتحاور المتحاورون، والمحاورات عندهم تتحول الى صدامات لا تُحْسَم إلا بالعنف، وان عقم التدابير المطّاطة واستمرار القفزات المتناقضة بدل أن تنتهي بالحوار تؤدي معهم الى الإنفجار؟
وعلى أيِّ مثلَّث ذهبي، وأي شهوة من شهوات السلطة، يتقاتلون باسم الناس، والناس كفروا بكل المثلَّثات وكلِّ أقانيم التثليث السلطوي، وأصبح المثلث الذهبي عندهم: هو الأمن والعمل والرغيف: وهو المطلق المقدس الذي يؤمِّن الحق الإنساني لأي خائف أو جائع أو مفجوع لا يزال يبحث عن نفسه في موقع آمن على أرض لبنان.
ليست هي المقاومة التي تغوص في خلفيات النصوص بحثاً عن الكلمات المذهّبة، وهي التي حصلت على شرعيتها بالدم، وليس الإسلوب الإعلامي غير العاقل وغير العقلي هو الذي يظهر دور المقاومة الوطني بقدر ما ينفّر منها الناس. وليست المقاومة هي الكلمة «الذهب» التي يحاول «المستشرقون» في لجنة البيان الوزاري أن يخبئوها خلف كلمة «لو».
وليست الكلمة «الخشب» تلك التي سمعها كسرى ملك الفرس من عرَّافة معبد الشعب: بأنَّ الآثينيِّين يدافعون عن مدينتهم بسور من خشب، لأن مدينتنا لم يعُدْ لها سور وليس لها خشب، إلا تلك الأخشاب المحمولة على مناكب الأحياء.

السابق
العثور على قذيفتي هاون في المجادل
التالي
فضل الله: مع كلّ قانون يحمي المرأة بشرط الموازنة