إلى فاطمة عبدالله التي مات أخوها في سوريا

الموت الطبيعي يخلع خلعاً، يا فاطمة، فكيف إذا لم يكن طبيعياً.

يقولون إن الموت حقّ. أنا شخصياً، لا أزال أريد أن أتمرّد على هذا الحقّ الاستبدادي الجائر، وإن كنتُ أرزح، شأن البشر، تحت أهواله المتلاحقة.
تبّاً له، هذا الحقّ! تبّاً لهذا الموت، أياً يكن، فكيف إذا كان موتاً قبل أوانه، بالمرض، بالجوع، بالحرب، بالعنف، بالقتل، أو بسواها من الأحوال، مما لا عدّ لأوجاعه، ولا إحصاء!
قرأتُ الكثير من التعليقات، على رسالتكِ البهية والجسورة إلى أخيكِ الفتى الذي مات في سوريا.
ليس لي، يا فاطمة، أن أطلق الأحكام، ولا أن أحمل السيف، سيف التنديد أو التأييد، حيال سيلٍ غامرٍ مما كُتِب. لكن بعض تلك التعليقات، من هذه الجهة أو تلك، يتخطى الحدّ الأخلاقي، ويوازي عندي فعل الموت، بل القتل، من غير حقّ.
كيف يتجاسر قلمٌ، أياً يكن صاحبه، وأياً يكن السبب، أن يصادر رأياً بقوة الكلمة الغاشمة، وأن يلغي، وأن يقتل؟!
تبّاً لنا نحن اللبنانيين، كيف لم يعد في إمكان الواحد منا أن يقبل من الآخر أن يستخدم الكلمة التي يختارها، لتعبّر عن رأيه، أو عن شعوره، أو عن موقفه، حيال موت أخيه، أو حيال أيّ مسألة أخرى؟!
لقد انهار سلّم القيم الذي ينظّم أخلاقيات حياتنا واختلافاتنا. لقد صرنا قتلةً حقيقيين، وخصوصاً عندما نقتل بالكلمة التي تلغي الآخر لأنه مختلف.
يؤلمني أني لا أملك سوى أن أطأطئ بصمتي المنسحق أمام حزنكِ الشخصي. لكن يعزّيني أنكِ قوية بالحرية والكبرياء والكرامة والحبّ والوجدان والضمير والعقل والمعرفة والنقد والاحترام للآخر، وأنكِ تتفردين بوقوفكِ البهيّ الحرّ الكريم النبيل، أمام المأساة العائلية.
أما بعد، فسلامي، يا فاطمة، الى روح أخيكِ الذي مات، مؤمناً بأنه استُشهد، وسلامي إلى عائلتكِ الثكلى.
قوة كلمتكِ تعطينا بعضاً من أملٍ يائس في هذا الخراب العقلي العموميّ. سلامي إليكِ.

السابق
السفينة المحمّلة بـ”أسلحة إيرانية” تصل إلى إسرائيل السبت
التالي
الدفاع المدني: عمليات اخماد حرائق واسعاف