أنا أبن الضاحية لا أجد سبيلًا إلى التحرّر سوى الموت

أنا أحب بلدي، والجنوب، والضاحية ولكن... أنا ابن الضاحية، لم أعد أطيق العيش فيها، ولا للحظة، أنا ابن الضاحية أعيش في خوف وقلق مستمرين، أنا ابن الضاحية ولا يبدو لي سوى أن الموت، هو الملاذ الوحيد.

أنا ابن الضاحية. أذهب إلى عملي كل يوم صباحًا. أعبر طريق المطار ذهابًا، وأعلق في الزحمة الناتجة عن تضييق الطرقات بسبب توسيع مداخل المباني والمجمعات التي تخاف على أمنها – أي كلّها – وأصل متأخرًا، مهما بكّرت.

أنا ابن الضاحية. أعود من عملي كل يومٍ مساءً إلى الضاحية بين السادسة والسادسة والنصف عصرًا، وأمرّ عبر طريق المطار، بعد اختبار المسالك كلّها والتسليم بأنّها متشابهة، لأعلق في الزحمة بسبب حواجز الجيش الأمنية ما لا يقل عن الساعة ونصف الساعة على أقلّ تقدير، وهذا فقط لأعبر حاجزًا واحدًا. وأصل بين الثامنة والنصف، والتاسعة..

أنا ابن الضاحية. أخرج كل يومٍ في سباق مع الزمن لأرى ابنتي التي تنام بين الثامنة والتاسعة مساءً، علّني أسرق خمس دقائق معها قبل نومها، ولا أفلح.

أنا ابن الضاحية. لم أعد أخرج لملاقاة أصدقائي لأنني متأخر دومًا، أو هم متأخرون، وأصبح الخروج من المنزل يعني الكثير من الوقت.

أنا ابن الضاحية. أصبحت أشعر بنشوةٍ كبيرة عند الخروج منها، وبكآبة شديدة عند محاولة العودة إليها.

أنا ابن الضاحية. أصبحت أطلب العشاء ليصلني على الحاجز توفيرًا للوقت.

أنا ابن الضاحية. أفرح كثيرًا عند لقاء واحد من الذين أعرفهم في زحمةٍ ما، ولو معرفة سطحية، لشدّة توقي إلى التكلم مع أحد.

أنا ابن الضاحية. وأخاف على ابنتي وعلى نفسي من النزول إلى الشارع، مهما كان السبب، خوفًا من مشكل ما، بين هذه العشيرة وتلك، من شدّة الخوف والتحريض والكراهية التي أصبحت تتملّك في النفوس.

أنا ابن الضاحية. أخاف من رصاص طائش في تشييع أو خطاب، أو حتى فرح. إذ أصبح إطلاق النار هو الوسيلة الوحيدة للتعبير، عن أي شيء.

أنا ابن الضاحية. وابن الجنوب، ولبنان. أفتخر، ولست أضع اللوم على أحد، ولا أحمّل أحدًا مسؤولية. أنا أحب بلدي، والجنوب، والضاحية ولكن…

أنا ابن الضاحية، لم أعد أطيق العيش فيها، ولا للحظة، أنا ابن الضاحية أعيش في خوف وقلق مستمرين، أنا ابن الضاحية ولا يبدو لي سوى أن الموت، هو الملاذ الوحيد.

السابق
«التدخين السلبي» يضر الصغار «عند الكبر»
التالي
الابحاث الزراعية توقعت هطول امطار غزيرة اعتبارا من 9 الحالي