موقف مقتدى الصدر : وقائع ودلالات

السيد هاني فحص

لا مجال للنقاش أو التحفظ على كلام السيد مقتدى الصدر، الممهد لقراره بالاعتزال السياسي… وصحيح ان العراق الواسع وذا التربة الخصبة والثروة المائية الكافية أو الفائضة لا زراعة فيه (3.05 فقط من طاقته الزراعية) ولا صناعة (2% فقط من طاقته الصناعية) ما جعله سوقاً للسلع الإيرانية أولاً، والميزان التجاري بين العراق وايران (11 مليار دولار) كلها ثمن سلع لإيران من مال العراق… وتأتي السلع التركية بعد الإيرانية في الترتيب، ولكن (10 مليارات دولار) هي ميزان التبادل التجاري بين البلدين منها (3 مليارات) ثمن نفط تدفعه تركيا للعراق، وهذا لا يعني أن في العراق علامة عافية اقتصادية ولو خفيفة… خاصة وأنه أصبح دولة ريعية (بحدود 90%) والريعية تحول البلد الى بلد زبائني، بين الدولة والشعب، وعلى أساس الزبائنية، يقدم الولاء على الحاجة أو الكفاءة ويعمّ الجور على المعترضين أو الذين لا يوالون أو لا يحسنون التعبير عن ولائهم للحاكم.

وفي العراق سلع أخرى، حتى لا نظلم، زراعية وصناعية، من غير السلع الإيرانية والتركية، أردنية وسورية ولبنانية وأوروبية، وسعودية ويمنية!!.. ولكن أحجامها تتضاءل أمام التوسع الإيراني الكاسح خصوصاً، خاصة وان فرص التهريب والتخلص من الجمارك والضرائب متوافرة بقوة تجعلها أقوى على المنافسة… ومن الغرائب وجود خضار أوروبي كالفجل الهولندي، ولا أدري إذا كان هناك تمر اميركي أو إيراني.

الى ذلك… فإن العراق يشكو من تراجع الخدمات وعدم التقدم في بناء البنية التحتية بما يناسب الخراب الموروث والمتجدد بقوة وسعة والحاجات المستجدة، اما الفضيحة في الكهرباء فهي مذهلة، فقد صرف حتى الآن ما يقرب من مئة مليار دولار من كيس الدولة والشعب على الكهرباء، ولا كهرباء الا في حدود لا تقي من قر ولا حر… بل هناك كهرباء لتشغيل مكيفات منازل المسؤولين وقصورهم بالمولدات العملاقة في فترات الانقطاع الغالبة. وفي حين ان بغداد المعروفة بجمالها صنفت ابشع مدينة في الدنيا… والآخرة ربما. وينشغل مجلس النواب بزيادة رواتب أعضائه وتعويضاتهم ونثرياتهم وفواتير مرضهم المتورمة والمزورة والمخجلة.

هذا ما أراد قوله السيد مقتدى الصدر، وقد كان يقوله قبل المجاهرة الأخيرة، ولكنه كان يقوله بقوة أقل ثم يغض النظر، ولا نعرف ما هي الضرورات التي كانت تملي عليه السكوت؟ وإن كان هناك مَن يظن ان فريقه كان شريكا، ويقول آخرون بأن التوجيهات الإيرانية كانت تلزمه بالسكوت أو التخفيف من النقد وكشف الدفاتر… لأن المطلوب أن يبقى العراق ملعباً لإيران، مع السماح لواشنطن أن تلعب مباريات موسمية وتربح فيها ولو بضربات الترجيح، بعدما تم التوافق العميق على تفهم كل من طهران وواشنطن واعترافها واحترامها لمصلحة الطرف الآخر في العراق، مع أرجحية لإيران بقبول أميركي… وهنا يكمن السر في التقاطع على السيد نوري المالكي للولاية الثالثة، بعدما تم التوافق أو التواطؤ على الأولى والثانية، كما يعرف الجميع، خاصة من الذين يسعون الى أن تحل عليهم نعمة هذا التقاطع الأميركي – الإيراني، وهم الأكثرية السياسية في العراق، مع ما يستلزم أو يرافقه أو يتخلله من تعزير للسيد المالكي، الذي تم الاستهتار به في واشنطن أخيراً، ولكنه وعد بالولاية الثالثة، تماماً كما حصل معه في طهران.

كان العراق احتمالاً للتوازن والموازنة والمنافسة الحضارية والنهضوية الشريفة للأقطار المرشحة لدى الغرب لكي تكون مواقع القرار والفعل والحوار وإن من موقع الاختلاف ومن دون العرب (تركيا – إيران – اسرائيل).. فكان لا بد من شطب هذا الاحتمال بتعطيله أو توريطه في سورية وفي الأنبار والحبل على الجرار…

السابق
يعلون يخاطب الغرب: إيران تبتسم ولكنها ترسل سلاح الى اسرائيل
التالي
من هي المحجبة التي قدمت جوائز الأوسكار لعام 2014