أولوية مكافحة الإرهاب، كيف؟

تعاظم خطر “الارهاب” اطلق دينامية تقاطع متنامية بين قوى كانت الى الأمس، منخرطة في صراع متعدد السبب ومتنوع الجبهة.

ينطبق ذلك على قوى دولية واقليمية. وينطبق ايضا على القوى اللبنانية المتصارعة في تحالفي 8 و14 اذار: القوى الأولى مستهدفة في مؤسساتها وبيئتها و”مناطقها”… والثانية مستهدفة في نفوذها وقاعدتها ومرجعيتها (ساهم الاستهداف المزدوج في تشكيل حكومة “المصلحة الوطنية”!).
قطبا صراعات متفجرة عديدة في منطقتنا وفي العالم، الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الروسي، يستعيدان بعض ملامح “الحرب الباردة” في القرن المنصرم.
لكنهما، رغم شراسة التنافس، صاحبا مصلحة في احتواء “الارهاب” ووضع حد لتهديده. في الشرق الأوسط الكبير كذلك، انتهت، تقريبا، مرحلة تبادل استخدام التطرف (“الارهابي” منه خصوصا) التي امتدت من افغانستان بابراك كارمال الى العراق فسوريا بشار الاسد… كذلك فقد خطت دول عربية وأجنبية خطوات مهمة في مجال التضييق على “الجهاديين” بعد تسهيلات وتشجيع .
لا يكفي كل ذلك لادارة سياسة فعّالة تتصدى لـ “الارهاب” وتضع حدا لاندفاعته ومخاطره. يعتقد كثيرون ان “الارهاب” مسألة تُحال، حصريا، الى دوائر الشرطة والامن. لن تكون مكافحة “الارهاب” فعّالة ما لم تستند الى مراجعة عميقة لأسبابه ولإنتشاره ولتعاظم اضراره .
لم يُخلق الارهاب من عدم او نزوة او مجرد انحراف. إنه ظاهرة اجتماعية يغذيها الفقر والتهميش والشعور بالاضطهاد والقهر والقمع والإستبداد ، فضلا عن اندلاع الازمات واستعصاء حلها ، وعن العدوان و الاحتلال…
الى ذلك، فالتطرف هو ايضا ثمرة توجهات في ممارسة العقائد او محاولة فرضها، وفي تفسير الاختلافات والتباينات وتحويل ذلك سبب انقسام وتكفير وذريعة انتقام وقتل و”نجاة” وتقرّب من الخالق ومن انبيائه!
وجد هذا النوع من التطرف، فالارهاب، بداياته في الانقسامات التاريخية التي استيقظت منذ مدة على شكل “صحوة” يتولى جزء اساسي منها نبش الماضي واستحضار صراعاته وصولا الى استعادة حتى لغته ومفرداته! بهذا المعنى فالتطرف هو الابن الشرعي للتعصب الطائفي والمذهبي ولاستخدام الدين لاغراض سياسية في السلطة وفي المجتمع . وهذان مستشريان، الآن، اكثر من اي مرحلة سابقة. تعوِّل عليهما دول كبرى في اضعاف الاطراف لحساب دول “المتروبول” ، وتستخدمهما جماعات وافراد لاغراض ومصالح فئوية وفردية.
في حالات عديدة ، يبدو الاختلاف ما بين الطائفي والمذهبي، بالمقارنة مع “الارهابي”، مجسدا في الدرجة فقط: إنه في كمّ التعصب لا في نوعه، وفي حجم رد الفعل على الاختلاف لا في طبيعته.
ليس صدفة ان بعض التقارير، بعد جرائم الحادي عشر من ايلول لعام 2001، قد اشار الى سياسات وبيئات “رسمية” مولِّدة للارهاب. وليس صدفة ان تلك التفجيرات الارهابية قد استهدفت بلدا تساءلت سلطاته، في مجرى مراجعة سياساتها وصعوباتها في العالم: “لماذا يكرهوننا”!؟
ذروة الارهاب هو ذلك الذي تمارسه دول تدير سياسات كاملة على اساسه. المشروع الصهيوني في فلسطين شكّل ولا يزال نموذجا فريدا في جمع كل صنوف الارهاب: ارهاب الافراد والجماعات والدول. الديكتاتوريات ذات باع طويل في حقل ممارسة الإرهاب وتغذيته.
تستطيع الحكومة اللبنانية الجديدة، رغم كل تناقضاتها، ان تقدم مساهمة ايجابية في الحد من خطر الارهاب. وتستطيع تفاهمات اقليمية ودولية، ولو محدودة، ان تحاصره وتضعفه في هذا الموقع او ذاك… لكن محاربة الارهاب تتطلب سياسات اقل فئوية وجشعا ، وعلاقات اقل تسلطا وظلما ، وممارسات اكثر انسانية وعدلا…
لن يحصل ذلك، في كل الاحوال، دون مراجعة المقاربات والبرامج والعلاقات والاساليب السابقة. حتى ذلك التاريخ سيبقى “الارهاب” آفة العصر ولو جرى تقليص اضراره وعدد ضحاياه هنا او هناك.

 

السابق
هادي حبيش: الحملة الاعلامية على سليمان تأتي بضوء أخضر من «حزب الله»
التالي
الجيش الاسرائيلي يعلن ان قواته اصابت اثنين من مقاتلي حزب الله في الجولان