ورقتان في رسم مؤتمر باريس

هناك ورقتان في رسم مؤتمر باريس للمجموعة الدوليّة لدعم لبنان، الأولى معلنة وتتضمّن المطالب، والثانية تناقش وراء الكواليس وتتناول أيّ رئيس، لأيّ جمهوريّة في لبنان؟

يتميّز اجتماع باريس برعاية دوليّة تجاه وطن الـ18 طائفة، و18 دويلة، و18 لغماً كلّ منها كفيل بتدمير الكيان ببشره وحجره. إنه الثاني، بعد الأول الذي التأم شمله في نيويورك في أيلول الماضي، وما بين أيلول وآذار، لا بدّ من مكاشفة: ماذا فعلنا لدعم الجيش، ومواجهة النزوح، وتفعيل المؤسسات، خصوصاً مؤسسة مجلس الوزراء؟ الحقيقة لا شيء، لأنّ الـ18 دويلة كانت تمرّ بمرحلة من الترف السياسي في بناء مداميك الكيديات ما بينها تحت شعار التفتيش عن حكومة لم يتمّ الإهتداء اليها إلّا قبل أسبوعين من انعقاد المؤتمر؟!
أفسح هذا الإفلاس المعيب المجال أمام المجموعة الدوليّة للتدخل أكثر في شؤوننا، نحن أمام بنود سياديّة بامتياز، منها: دعم الحكومة الجديدة، ودعم الإستقرار. والدعوة الى اعتماد النأي بالنفس عن سوريا وتبنّي «إعلان بعبدا».

والدعوة الى احترام الإستحقاقات الدستوريّة ولا سيما انتخاب رئيس للجمهوريّة، وإجراء الانتخابات النيابية. والإعراب عن القلق حيال الإرهاب الذي يتهدد الإستقرار الداخلي. ودعم الجيش والمؤسسات العسكريّة والتعاون القائم بينها وبين «اليونيفيل»، واحترام القرارات الدوليّة.

وعند التعاطي في الشأن الإقتصادي وملف النزوح، تبدو الأمور أكثر تعقيداً، ذلك أن البنك الدولي المشارك في المؤتمر، سبق وأعدّ تقريراً يفنّد فيه حجم الأضرار، ويطلب من الدولة المشاركة في رسم آلية تعاون لتحويل الأرقام، حقائق.

وسبق أن قرّر الإجتماع الأول في نيويورك استحداث صندوق ائتماني مهمته تقديم الدعم للبنان كهبات، وأبصر هذا الصندوق النور في كانون الأول من العام الماضي. ومع تدفق الأموال ظهرت أكثر من عقبة، واحدة منها تتعلَّق بتحديد آلية لإدارة الصندوق، هذه الإدارة يفترض أن تتولّاها لجنة تضمّ ممثلين عن الدولة اللبنانية، والبنك الدولي، وهذه الآلية لم تحسم بعد نظراً لعدم وجود مجلس وزراء قادر على اتخاذ ما يراه مناسباً والمصلحة اللبنانية.

وتتمثّل العقبة الثانية بوصول المساعدات وطريقة الإفادة منها، ذلك أن دولاً مموّلة تريد المساهمة في الصندوق الائتماني، فيما أخرى تريد أن تأتي المساعدات وفق اتفاقات ثنائيّة تبرم مباشرة ما بينها وبين الدولة، وتفضّل تحاشي التعامل مع الصناديق او المجموعات الدوليّة، وهذه الرغبة عبّرت عنها دول خليجيّة وأوروبيّة. لكن أين مجلس الوزراء لإبرام مثل هذه الإتفاقات؟

العقبة الثالثة تتمثّل بدعم الجيش والقوى الأمنيّة. هناك إجماع وطني على مكافحة الإرهاب، وإجماع على إطلاق يد الجيش في مكافحته، وإجماع على ضرورة دعم المؤسسات الأمنية بما يلزم من أسلحة وعتاد.

في المقابل، هناك مكرمة ملكية سعوديّة تقدّر بثلاثة مليارات دولار لدعم الجيش من الترسانة الفرنسيّة، فأين مجلس الوزراء من وضع هذه المكرمة موضع التنفيذ؟! هناك مؤتمر دولي تستضيفه إيطاليا قريباً لدعم الجيش، وقد زارت وزيرة خارجيتها إيما بينينو بيروت لهذا الغرض، فهل ستنال الحكومة بالثقة قبل موعد هذا المؤتمر للدفاع عن حاجات الجيش؟

إجتماع باريس دليل قاطع على أن المجتمع الدولي لن يتخلّى عن لبنان، لكن ماذا عساه يفعل إذا كانت الطبقة السياسية بغالبيتها قد تخلّت، أو إنها لا تنظر الى هذا اللبنان إلّا من زاوية مصالحها؟

الأنانيات والكيديات لا تصنع أوطاناً بل تدمّرها، وهذه حقيقة تعرفها المجموعة الدولية، لذلك فإنّ مؤتمر باريس ينجح إذا ما قرَّر الإمساك بالملف اللبناني، وتحييده عن تداعيات ما يجري في سوريا، وعن رهانات بعض من في الداخل وارتهاناتهم… أوليست كيديات البعض، والتزامات البعض الآخر بأجندات خارجيّة، تبرّر تلزيم لبنان واستحقاقاته للأسرة الدوليّة؟!

السابق
عمال شركتي الغاز ببئرحسن قطعوا طريق الأوزاعي إحتجاجا على قرار إقفالهما
التالي
البنتاغون يعلق جميع الصلات العسكرية مع روسيا