نظام عالمي جديد: فليسيطر الأكثر جنوناً؟

ما نشهده من سوريا إلى روسيا ليس صمود الأفضل بل سيطرة الأكثر جنوناً. فهل من وصف آخر للدول التي تستقوي على سواها على مرأى من الجميع لإرغامها على الاستسلام؟

يكفي أن نتذكّر تكتيك القصف السوري للمناطق السكنية المسيحية في لبنان أواخر الثمانينات وحدّته، لنفهم هذا النوع من الاستقواء. فهو لا يعرف الرحمة ولا المنطق. ويقتل الأشخاص جسدياً أو يقتل عزيمتهم وأي آمال لديهم. ويعني أيضاً أن القصف المكثّف سيشتدّ الى ان يموت الجميع إذا دعت الحاجة أو يجثو جميع الناجين طلباً للرأفة.
ومن يرفضون توسّل الرحمة تتم السيطرة عليهم بوسائل أخرى. فمن العقوبات إلى السجن والاغتيالات، في رصيد نظام الأسد تاريخٌ حافل من التعذيب والترهيب بجرعات مختلفة. ولا أحد ينجو من غضب نظام يقوم على بؤس الناس وإذلالهم.
تذكّروا الزيارات التي كان يقوم بها السياسيون اللبنانيون لسوريا حيث كانوا يلقون ترحيباً أو يُترَكون لتدبّر أمورهم بأنفسهم، أو أولئك الذين كانوا يطلقون الاعتذار تلو الآخر عن “الانتهاكات” السابقة ويعلنون الولاء والطاعة للسيّد الذي يستطيع أن يبقيهم على قيد الحياة أو يحوّلهم جثثاً هامدة.
إنه النظام عينه الذي أبقى قبضته على لبنان طوال عقود، وعندما رفع اللبنانيون الصوت عالياً وطردوا سوريا من بلادهم، توعّدوهم بانتقام قاسٍ. كان الأخطبوط يعوّل على مخالبه الوفيّة التي تتوغّل في أنحاء لبنان لتنفيذ هذا الوعيد.
وفقاً للمنطق نفسه، سعت أوكرانيا إلى تعزيز علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، لكن روسيا رفضت. ثم استخدمت مخالبها لتوليد الانشقاق وجعل المعركة دموية وفتّاكة إلى أقصى حدود ممكنة. عندما ظلّت الغلبة للشعب الذي نجح في إسقاط الحكومة، تدخّلت روسيا وهي على أهبّة الاستعداد لاجتياح أوكرانيا من أجل إنقاذها من نفسها. لا منطق في هذه المعادلة، بل فقط عدوان واستقواء ووحش بلا رأس يجرف معه كل شيء فيما يتهاوى.
لم تبقَّ أي شرعية لروسيا وسوريا. فهما لا تملكان سوى سلطة الاستقواء التي تعيث خراباً فيما يتفرّج العالم الذي يتأخّر كثيراً في التحرك، فيجد نفسه عاجزاً عن التدخل لوقف حمام الدماء، ولا حيلة له ولا قوة في مواجهة المعاناة التي ترزح تحت وطأتها الضحايا البريئة.
سوف تترك سوريا سكّان اليرموك يموتون جوعاً، وسوف تجتاح روسيا أوكرانيا، لأنهما قادرتان على ذلك. لقد تخطّى الأفرقاء كل الحدود؛ وفي هذه المرحلة لا يستطيع العالم أن يواجه كل هذه الهمجية بأسلوب متحضِّر.

السابق
اللواء: اللجنة الوزارية تبحث إدارة البلد بعد 25 أيار!
التالي
كاتيا كعدي :”الساحة الفنية اليوم تسيطر عليها عصابات”