الراي: يبرود ليست القصير ..وخسائر حزب الله كبيرة

لماذا الحزب لا يشيع جميع قتلاه وينعيهم مرة واحدة؟
الوصول الى عرسال في البقاع الشمالي اللبناني ليس بالامر السهل. كأنه لا يكفي طول المسافة وتعرجات الطريق ومطباته لـ «تخطف» الوقت منك تلك الحواجز الامنية التابعة لـ «حزب الله» التي تنتظر قاصدي هذه البلدة عند مدخل اللبوة والتي لا يوفر عناصرها اي سيارة داخلة باتجاه عرسال او الآتية منها من التفتيش الدقيق.
نحو ربع ساعة من التفتيش عند كل حاجز، يقلب داخل السيارة رأساً على عقب. وما ان تنتهي من حاجز «حزب الله» حتى يطالعك حاجز لمخابرات الجيش اللبناني لا يختلف عليه حال التدقيق بالسيارات والهويات والتفتيش. وبعد حوالي كيلومتر تجد حاجزاً للجيش اللبناني، وهنا ايضا تدقيق وتفتيش، لتصل الى عرسال حيث ضجيج الازدحام من نازحين سوريين هربوا من موت محتم.
كأن هذه البلدة ذات الغالبية السنية في محيط شيعي ضاقت شوارعها وساحاتها بنازحي القصير وقرى القلمون، ليزداد عدد الهاربين اليها في الآونة الاخيرة من مدينة يبرود السورية بنحو 15 الف نازح جدد قدموا على مدار اربعة ايام بحسب ما اشار اليه محاسب الهيئة الطبية في عرسال عصام الكنج الذي أكد لـ «الراي» أن عدد سكان يبرود «لا يقل عن 50 الف نسمة، وعلى اثر معارك القصير وقراها وصل عدد القاطنين فيها الى نحو 120 الف نسمة»، موضحاً ان «الاحصاءات التقريبية تشير الى ان اكثر من 60 الف نزحوا باتجاه دمشق، ويرجح ان يصل عدد النازحين الى عرسال لنحو 3 الاف عائلة خلال الايام المقبلة، علماً ان اكثر من 1200 عائلة وصلوا».
زائر عرسال يظن نفسه للوهلة الاولى داخل «المعركة» جراء دوي صوت القذائف المتساقطة على يبرود وانفجارات صواريخ النظام وحزب الله، في المقلب الآخر من السلسلة الشرقية.
ويقول حسين الحجيري ابن عرسال «ان هذه الاصوات اصبحت اشبه بناقوس يدق لتدبّ فينا الحمية للاستنفار لاستقبال النازحين من تلك القرى».
المشهد عند الجهة الشرقية الشمالية من البلدة حيث معبر النازحين، يوحي ازدحامه بالشاحنات الصغيرة الآتية من منطقة يبرود، كأنه محطة انتظار الوافدين بشاحنات صغيرة تحمل بصناديقها اطفالاً ونساء وفرشاً وخيماً، يستقبلهم اعضاء البلدية وهيئة الاطباء والاغاثة وغالبيتهم من السوريين، والعراسلة، يتم من خلالهم توجيه النازحين الى حيث يمكن ان ينصبوا الخيم بعدما اتخمت المخيمات المنتشرة على اطراف البلدة بالنازحين.
تحاول «أم يزن» القادمة من يبرود على متن صندوق شاحنة، ان تخفي دمعتها. وتقول والغصة تخنق الأحرف في فمها، انها للمرة الرابعة تهرب بأطفالها الستة من منطقة الى أخرى، حتى وصلت الى يبرود. وتروي «ايه هربانين من جبروت (الرئيس) بشار (الأسد)، وشبيحتو اللي ما عم يرحموا طفل ولا امرأة».
من جهتها، فضّلت «ام وسيم» مشقة الطريق الوعرة بين عرسال ويبرود، على أن تذهب بأولادها باتجاه دمشق حيث النظام، وقالت «ان عدداً ليس ببسيط ذهب الى دمشق، وأنا فضلت «اجي لهون لأن النظام ما الو امان». وتروي بفطنة المرأة العارفة بتفاصيل المعارك: «كل ما تسمعونه من اعلام النظام كذب بهدف رفع معنويات جماعته، «معنويات الشباب كبيرة، ويبرود مو متل القصير».
الواقع الميداني في يبرود والقرى السورية المحيطة لها، فرض حالة من الاستنفار لدى هيئة الاطباء في عرسال، في المستشفيين الميدانيين وعيادة الاطباء لاستقبال الجرحى والمرضى.
ويؤكد رئيس هيئة الاطباء السوريين في البلدة د. قاسم الزين لـ «الراي» أنهم متأهبون لاستقبال الجرحى والمرضى رغم الامكانات الضئيلة التي لديهم، وقال: «كثيراً ما تأتينا حالات مستعصية. لدينا الكادر الطبي، انما ليس لدينا المعدات لاجراء العمليات»، لافتاً الى «ان الجرحى يأتون في حالة يرثى لها، بسبب طبيعة الارض والطريق اثناء نقلهم من يبرود الى عرسال، فالطريق وعرة ويتم نقل الجرحى في صناديق الشاحنات ما يعرض الجريح الى «الرجرجة» ويؤدي في كثير من الحالات الى النزيف، والغياب عن الوعي».
لا ينكر الزين ان عدداً من الجرحى قضوا بسبب طول المسافة ووعورة الطريق خلال نقلهم الى عرسال، مشيراً الى ان الاصابات التي تصل متنوعة «واكثر الاصابات الخطرة، تكون في الجزء العلوي بين الصدر والرأس، وهي تحتاج الى معدات اسعافية خاصة».
يتنهد الطبيب مقارناً بين معدات الاسعافات الميدانية في مستشفى القصير رغم الحصار الذي فرض عليها قبل المعركة الاخيرة والتي ادت الى انتقاله وعدد من زملائه الى عرسال وتشكيل هيئة ومستشفى ميداني بمعاونة ناشطين عراسلة، وقال «الامكانات الطبية في القصير كانت افضل من الموجودة حالياً بين ايدينا، رغم كل ذلك نقوم بما هو فوق طاقتنا».
وهذا ما أكده رئيس قسم الصيدلة في المستشفى الميداني الدكتور إحسان السمر، عن النقص الحاد في الادوية، مناشداً الدول المانحة والجمعيات ضخّهم بالادوية والاسعافات والمعدات الطبية، وقال: «احياناً كثيرة نخجل من فقراء بلدة عرسال عندما يقصدون العيادة، ولا نستطيع ان نقدم لهم مساعدة طبية»، موضحاً «ان عدد النازحين الذي يزداد يوما بعد يوم، ولا سيما عند اي معركة في منطقة القلمون، فكلما اشتدت المعركة في يبرود ازدادت الاعباء علينا في استقبال الجرحى والمرضى. وما لدينا من امكانات لا يمكن ان يغطي خمسة الاف مواطن، في حين يطلب منا الواجب الانساني ان نغطي نحو 80 الف نازح سوري، عدا عن ابناء البلدة، باعتبار ان عرسال لا يوجد فيها مستشفى، في ظل حصار كبير تعانيه البلدة من الجهة الغربية لها».
الجريح حسين (ابوقتادة) الذي يرقد في احدى غرف المستشفى الميداني في الطابق الارضي من المبنى التابع لاحد مساجد البلدة، لا ينكر أنه مقاتل في صفوف الجيش الحر، وقد نُقل قبل نحو اسبوع على اثر اصابة بليغة في بطنه وصدره جراء انفجار قذيفة بقربه. وقال لـ «الراي»: «همنا كيف يخرج الاهالي من المدينة، كي لا يفتعل النظام مجازر بسبب البراميل التي يرميها فوق المباني».
يرفض حسين الحديث عن انقسامات بين فصائل المعارضة، باعتبار ان «جميع مَن يقاتلون في منطقة يبرود والقلمون هم اخوان»، لافتاً الى ان «معركة يبرود التي يتحدثون عنها لم تبدأ بعد، ويخطئ مَن يظن ان يبرود كما القصير، انطلاقاً من أن القصير لم يكن فيها ظهر المعارضة محمياً، بل كان مكشوفاً لقرى ذات غالبية شيعية حيث يتمركز حزب الله، وصمودنا فيها قرابة سنة كان انتصاراً. اما يبرود فتختلف اختلافا كاملاً، ظهرنا محمي بجرود عرسال وما يحاك لعرسال من مؤامرات تلو الاخرى هو لكسر هذه الحماية بفرض حصار عليها من قبل حزب الله، لاعتقادهم ان ذلك يضعف مقاتلينا في يبرود والقلمون».
ويتنهد ليضيف: «المعركة الميدانية على الارض هي لصالحنا، وما تدخل طائرات النظام وصواريخ حزب الله الا بسبب هزيمتهم الميدانية». ويروي «ان خسائر حزب الله كبيرة، وهم يحاولون ايهام الرأي العام انهم منتصرون»، متسائلاً «لماذا الحزب لا يشيع جميع قتلاه وينعيهم مرة واحدة؟ انه لا يريد ان يوهم جمهوره انه بدأ مرحلة الهزيمة مع النظام».
محمد الذي يرقد الى جوار ابو قتادة اثر اصابة ادت الى بتر ساقه اليمنى، ينتظر التئام جرحه ليتم تركيب طرف اصطناعي له فيعود الى «الجبهة»، في جرود القلمون. ويقول: «اهلي اصبحوا في الاردن، وزوجتي وابني سافروا الى مصر مع بيت حماي، وأنا «هون ما بقدر اطلع» خارج عرسال، سأعود الى المعركة طالما اتنفس».
الى جانب معاناة الجرحى، والوافدين الجدد، تبرز معاناة اسر الشهداء البالغ عددهم نحو 200 اسرة في «مخيم الشهداء» في عرسال، وهؤلاء يقطنون في 113 خيمة، ما يدل على تفاقم الواقع الانساني وقصر الامداد لاعالة الاسر ولا سيما النساء.
وهذا ما حاولت خضرا خرما، زوجة شهيد وأم لشهيدين أن تلخصه من خلال تقلص المعونات المخصصة لأسر الشهداء، ومعاناة النساء في هذا الخصوص. وتسأل عبر «الراي» المعنيين عن رواتب اسر الشهداء: «ما عم نشوف شي كيف بدنا نعيش ونربي ولادنا؟». تشوح بيدها باتجاه الغرف المؤلفة من اربعة صفوف، المخصصة لنساء وعائلات الشهداء، لتردف قائلة «شايف هاي الغرف؟ كلها نسوان شهداء ما الها معيل، في نسوان فقدت 7 و8 شهداء بين زوج وابناء واخوة، يعني كل وحدة منهن الخنساء». وتجزم أن كل اسرة شهيد بالمخيم عندها اسرة، «وثمة خيم فيها 10 اشخاص و12 شخصاً».

السابق
عون: المقاومة تستمد شرعيتها من الاحتلال ولا أحد يعطيها شرعية
التالي
مساعي التهدئة تسابق تداعيات حملة حـزب الله على الرئيس