هكذا وافقت إسرائيل على تقسيم القدس

«إسرائيل تفهم أن المبدأ الأساس في اقتراح الرئيس كلينتون بشأن الحرم القدسي، هو: ما هو مقدس للمسلمين سيكون تحت سيادة فلسطينية، وما هو مقدس لليهود سيكون تحت سيادة إسرائيلية. ووفقا لذلك، فإن تحديد «المنطقة المقدسة لليهود، ينبغي أن تشمل في داخلها نفق الحرم، بناية المحكمة، السور الغربي نفسه والقسم الإضافي المجاور للحائط الجنوبي، فضلا عن الحديقة الأركيولوجية، مدينة داوود، جبل الزيتون وقبور الملوك والأنبياء».

هكذا بجملتين ملخصتين، أجملت حكومة إسرائيل في كانون الثاني 2001 خطوطها الحمراء، والأخيرة بالتأكيد، في أشد المواضيع حساسية في المفاوضات مع الفلسطينيين في منطقة الحوض المقدس والحرم القدسي. وهاتان الجملتان مأخوذتان من وثيقة تاريخية، تنشر للمرة الأولى كاملة هنا في موقع والا للأخبار: وهي الرد الرسمي لحكومة إسرائيل على اقتراح السلام الذي عرضه الرئيس كلينتون في كانون الأول عام 2000 («خطة كلينتون»).
وعدد الناس الذين اطلعوا على هذه الوثيقة، في القدس وواشنطن، ضئيل جدا. ورغم مرور 13 عاما على صوغ هذه الوثيقة، فإنها ذات أهمية كبيرة جدا هذه الأيام، على خلفية نية الولايات المتحدة قريبا عرض اتفاقية إطار، من قبيل «خطة جون كيري»، التي يقارنها كثيرون بالخطة التي عرضها بيل كلينتون. وقد رسخ الرئيس حينها اقتراحه على مواقف الطرفين، كما سمعها طوال أشهر المفاوضات عام 2000، وطلب من الزعيمين قبول اقتراحه كأساس للمفاوضات حول التسوية النهائية. وكيري سيؤسس اقتراحه على محادثاته مع نتنياهو ومع أبي مازن في الأشهر الاخيرة، وسيطلب هو الآخر منهما قبول اقتراحه كأساس لاستمرار المفاوضات.

«العربي للفلسطينيين واليهودي لإسرائيل»

ومن المتوقع أن يبحث نتنياهو في وثيقة كيري في لقائه مع الرئيس باراك أوباما، الذي سيعقد في مطلع الأسبوع المقبل في واشنطن. وبعد عدة أيام من ذلك من المقرر أن يلتقي أيضا رئيس السلطة الفلسطينية، أبا مازن، في البيت الأبيض. وسيكون مطلوبا من الرجلين الرد على الاقتراح الأميركي حتى نهاية آذار، حيث يتوقع إتمام المرحلة الرابعة من الإفراج عن المعتقلين. وكانت آخر مرة وقف فيها الزعيمان الإسرائيلي والفلسطيني أمام وضع مشابه في كانون الأول عام 2000، حينما اضطر إيهود باراك وياسر عرفات لمواجهة «خطة كلينتون». ومن الجائز أن إمعان النظر في الرد الإسرائيلي على اقتراح كلينتون للسلام قد يوفر العديد من الملاحظات الهامة، عن المستقبل القريب.
وقد عرض كلينتون على الجانبين اقتراحه يوم 23 كانون الأول عام 2000. وكانت إسرائيل في ذروة معركة انتخابية لرئاسة الحكومة بين إيهود باراك وأرييل شارون، وفي الخلفية كانت تندلع الانتفاضة الثانية، في حين كانوا في البيت الأبيض يستعدون لتبادل الحراسات بين كلينتون وجورج بوش. وكانت خطة كلينتون نوعا من «اقتراح نهائي بالتأكيد»، عرض على الجانبين قبل لحظات من خروج الرئيس إلى التقاعد.
وشملت الخطة انسحابا إسرائيليا من حوالي 95 في المئة من أراضي الضفة، إلى جانب ضم إسرائيل للكتل الاستيطانية بنسبة 4-6 في المئة، وتقسيم القدس وفق قاعدة: ما هو عربي للفلسطينيين، وما هو يهودي لإسرائيل، وإبقاء حائط البراق و«قدس الأقداس» المنطقة الواقعة تحت الحرم القدسي بيد إسرائيل، ونقل باحة الحرم القدسي للسيادة الفلسطينية، وتنازل فلسطيني عن حق العودة إلى داخل إسرائيل، إلى جانب دخول رمزي للاجئين لاعتبارات إنسانية، ونزع سلاح الدولة الفلسطينية والإعلان عن إنهاء النزاع وعن نهاية المطالبات.
وخلافا لكيري، الذي ينوي عرض وثيقة مكتوبة، عرض كلينتون أفكاره شفاهة. وحضر اللقاء من الجانب الإسرائيلي كل من وزير الخارجية شلومو بن عامي، رئيس ديوان رئيس الحكومة جلعاد شير، نائب رئيس الشاباك إسرائيل حسون، المستشار السياسي بيني ميدان – شني وسكرتير طاقم المفاوضات، جيدي غرينشتاين، الذي سجل أقوال كلينتون، أولا في حاسوبه المحمول، وبعد ذلك بخط يده، بعدما فرغت بطارية حاسوبه.
وبعد عرض الخطة، نال الجانبان أربعة أيام من أجل إعلان إن كانوا يقبلون اقتراح الرئيس كأساس للمفاوضات، أم يرفضانه. في 27 كانون الأول عقد إيهود باراك اجتماعا للمجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية، وبعد ذلك اجتماع لوزراء الحكومة. ووصف رئيس ديوانه، المحامي جلعاد شير في كتابه « في متناول اليد» النقاش المثير: «قال رئيس الحكومة ان أفكار الرئيس الأميركي ليست أحلامنا. وفي مواضيع محددة تنزلق إلى ما وراء ما نحن على استعداد لقبوله، لو أننا أخذنا كل موضوع بذاته منفصلا عن المواضيع الأخرى. إلا إذا كان الطرف الثاني مؤهلا للإقدام على هذه الخطوة، فإننا نخطئ بحق مسئوليتنا إذا لم نكن على استعداد للبحث في الرزمة العامة».
واقترح باراك على الوزراء أن ترد إسرائيل بالإيجاب على الاقتراح، لكن تنقل للأميركيين رسالة تحتوي على توضيحات وتحفظات. وأيد عشرة وزراء الاقتراح، وعارضه اثنان ميخائيل ملكيئور وروني ميلو – كما امتنع اثنان آخران عن التصويت. وأرسل المستشار السياسي لباراك، تسفي شتاوبر، بلاغا عاجلا بالفاكس للسفير الأميركي في إسرائيل حينها، مارتين إينديك (حاليا مبعوث جون كيري للمفاوضات)، للتبشير بأن إسرائيل قررت قبول خطة كلينتون «مع توضيحات».
وبعد ذلك عقد باراك اجتماعا لـ«الخلية» المقلصة عنده، التي ضمت وزير الخارجية بن عامي، رئيس الديوان جلعاد شير، رجل القانون الدكتور دانييل درايزنر وسكرتير طاقم المفاوضات جيدي غيرنشتاين، من أجل صوغ الرد الرسمي للأميركيين. والجواب نقله شير مباشرة للرئيس كلينتون بعد أسبوع في الخامس من كانون الثاني.

«نظام خاص في الحوض المقدس»

وينقسم الرد الإسرائيلي على خطة كلينتون إلى قسمين: رد عمومي وملحق «توضيحات» مفصل. وفي مستهل الرد العمومي جاء: «اننا نعتبر أفكار الرئيس قاعدة للمداولات، بشرط أن تقبل كأساس للبحث بالصيغة الحالية – لدى الجانب الفلسطيني. وإسرائيل مدينة بالشكر للرئيس كلينتون على إسهامه الحاسم في العملية السلمية. وإسرائيل ستطلب عدة توضيحات في مواضيع بالغة الحيوية بالنسبة لها». هذه الجمل التي بوسع (وهناك من يقولون لاانه ينبغي لـ) بنيامين نتنياهو أن يتبناها نصا وروحا في رده على خطة كيري.
صحيح أن كلينتون أعلن أن اقتراحه يستند إلى مواقف طرحها الطرفان نفسيهما خلال المفاوضات، لكن إسرائيل أوضحت أن موقف الرئيس بشأن الحوض المقدس حائط البراق وقدس الأقداس لإسرائيل، باحة الحرم القدسي للفلسطينيين لا يمثل موقف إسرائيل في المحادثات. وجاء في الوثيقة أن «أفكار الرئيس بشأن البلدة القديمة والحرم القدسي تختلف عن أفكار إسرائيل، التي اقترحت نظاما خاصا في كل منطقة الحوض المقدس». وخلفية هذه الأقوال: إسرائيل عرضت خلال المباحثات اقتراح «النظام الخاص» بمشاركة دولية، تسمح للدولتين إسرائيل وفلسطين – بالوصول والارتباط بالحرم، من دون نقل الحرم للسيادة الفلسطينية.
وكما سلف، فإن كلينتون عرض تقسيما قاطعا لمنطقة الحرم القدسي، يقضي بأن ينال الفلسطينيون السيادة على باحة الحرم القدسي حيث توجد المساجد، بينما تنال إسرائيل السيادة المجردة على ما يقع تحت باحة الحرم، وهو مقر «قدس الأقداس». وفي ما يتعلق بذلك جاء في الرد الإسرائيلي أن «الترتيبات المقترحة في مجالات السيادة وتقسيم الصلاحيات في الحرم القدسي ومحيطه يتطلب المزيد من العمل، من أجل أن يعبر بالشكل المناسب عن الرابط الممتد على مدى ثلاثة آلاف عام لليهودية مع الحرم القدسي». والتشديد على الرابط بين اليهودية والحرم القدسي لم يكن عابرا: رئيس السلطة الفلسطينية آنذاك، ياسر عرفات، رفض بشدة هذا الرابط، بل زعم أثناء المحادثات أن بيت المقدس كان قائما في نابلس وليس في القدس.
وتضمن الجزء العمومي من رد إسرائيل أيضا ملاحظة هامة في الشأن الإقليمي. إذ ردت إسرائيل بأن اقتراحات كلينتون تسليم 94-96% من أراضي الضفة الغربية للفلسطينيين – تخرج عن نطاق موافقاتها في كامب ديفيد: التي بلغت 92% على أبعد تقدير. ومع ذلك فإن إسرائيل لم تحدد أي رقم مضاد لاقتراح كلينتون. وفي مؤتمر طابا الذي عقد بعد حوالي شهر من ذلك، كانت إسرائيل أقرب إلى الموافقة بشكل رسمي على أرقام التي عرضها كلينتون.

تسوية تاريخية في القدس

ويضم ملحق التوضيحات إشارة مفصلة لخمسة مواضيع جوهرية في النزاع، والتي لا تزال تحتل مركز المفاوضات حتى اليوم وهي: إنهاء النزاع، الأرض، القدس، الأمن واللاجئون. ويبدأ الملحق بالإشارة إلى نهاية الادعاءات ونهاية النزاع. وقد طلبت إسرائيل أنه في لحظة التوقيع على اتفاقية الإطار بين الجانبين، يصدر إعلان بإنهاء النزاع ونهاية المطالب. وكما تبين لاحقا، فإن الفلسطينيين فضلوا أن يكون الإعلان عن نهاية النزاع فقط بعد إبرام الاتفاق النهائي، إن كان أبدا.
وفي الشأن الإقليمي، أوضحت إسرائيل أنها على استعداد لمنح الجنسية الإسرائيلية للفلسطينيين الذين تقع قراهم داخل الكتل الاستيطانية. إذ جاء في الرد أن «إسرائيل تفهم أنه سيكون هناك فلسطينيون داخل الكتل الاستيطانية التي سيتم ضمها إلى إسرائيل. وهؤلاء الفلسطينيون لن يكونوا خاضعين لنظام خاص». وليس واضحا إن كان هذا الموقف مقبولا على إسرائيل أيضا في الوقت الحالي.
غير أن المرونة الأشد أهمية التي أبدتها إسرائيل تجاه خطة كلينتون تتجلى في التوضيحات بشأن القدس. إذ عرض كلينتون تقسيم المدينة بأسرها، بما في ذلك البلدة القديمة، وفق معيار ديموغرافي. وتوضيحات إسرائيل بشأن القدس تبدأ بجملة: «إسرائيل تفهم أن المبدأ القائل بأن ما هو عربي للفلسطينيين وما هو يهودي لإسرائيل، سينفذ بشأن الأحياء في القدس، مع أخذ التواصل بعين الاعتبار». وكانت هذه المرة الأولى أبدا التي تعترف فيها إسرائيل، بوثيقة رسمية، بتقسيم القدس. ورغم أن النص يشير فقط إلى القدس المدينية وليس إلى البلدة القديمة، فإنه يستحيل تقليل أهمية الأمر. إذ بالوسع فقط تخيل كم كان صعبا لمن صاغوا الوثيقة كتابة هذه الأمور.
وبعد ذلك جاء في الوثيقة: «إسرائيل تفهم أن المبدأ الأساسي في اقتراح الرئيس بشأن الحرم القدسي، هو: ما هو مقدس للمسلمين سيكون تحت سيادة فلسطينية، وما هو مقدس لليهود سيكون تحت سيادة إسرائيلية. ووفقا لذلك، فإن تحديد «المنطقة المقدسة لليهود» أو بالتبادل «قدس الأقداس»، ينبغي أن يشمل بداخله نفق الحرم، بناية المحكمة، السور الغربي نفسه والقسم المضاف له القريب من السور الجنوبي، كذلك أيضا الحديقة الأركيولوجية، مدينة داوود، جبل الزيتون وقبور الملوك والأنبياء».
ويصعب بذلك التمييز عبر القراءة الأولى، لكن هذه الفقرة هي الأشد إثارة في الوثيقة كلها. وكما سلف فإن كلينتون اقترح تقسيم منطقة الحرم القدسي بحيث تحتفظ إسرائيل بحائط البراق و«قدس الأقداس»، بينما ينال الفلسطينيون باحة الحرم القدسي. وفقرة «التوضيح» هذه لا تناقض اقتراح كلينتون. ولكنها تحدد بالتفصيل الأماكن المقدسة لليهودية التي تصر إسرائيل على الاحتفاظ بها تحت سيادتها في كل الأحوال. وباحة الحرم القدسي ليست مذكورة. رغم أن إسرائيل شددت في مستهل الوثيقة على أنها تفضل «نظاما خاصا» في الحوض المقدس على تقسيمه بروحية كلينتون، فإنها أبقت على فتحة لقبول اقتراح الرئيس وكانت هذه هي التسوية الأشد إيلاما التي وافقت عليها الحكومة الإسرائيلية أبدا وعرضتها مكتوبة، مقابل إمكان وضع حد للنزاع مع الفلسطينيين.
وبشأن البلدة القديمة، فإن الرئيس كلينتون اقترح تقسيمها بحيث يحصل الفلسطينيون على حيين، الإسلامي والمسيحي، في حين تحتفظ إسرائيل بالحي اليهودي والحي الأرمني. وأيضا في هذه المسألة، لم تعرض إسرائيل تحفظات مفصلة إزاء اقتراح الرئيس، عدا التوضيح العمومي بأن إسرائيل تفضل «نظاما خاصا» في الحوض المقدس.

قيادة أميركية في الأغوار

لقد اقترح كلينتون في موضوع الأمن أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح وأن تشرف على حدودها قوات دولية. وفي غور الأردن اقترح الرئيس إبقاء قوات مقلصة من الجيش الإسرائيلي لمدة ست سنوات، تحت قيادة القوة الدولية. وأوضحت إسرائيل في ردها أنها «تفهم أن القوات الدولية ستكون تحت قيادة الولايات المتحدة» وأن «القوة الإسرائيلية في الأغوار لن تكون خاضعة لإمرة القوات الدولية». كما أوضحت إسرائيل أن موقفها بشأن الجداول الزمنية «يختلف عن موقف الرئيس»، لكنها لم تحدد عدد سنوات بديلا لانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي. وفضلا عن ذلك، أصرت إسرائيل على السيطرة على المجالين الجوي والألكترومغناطيسي للدولة الفلسطينية.
وبشأن اللاجئين وافقت إسرائيل على اقتراح كلينتون القاضي بألا يكون هناك حق عودة إلى إسرائيل، لكنها أوضحت أن صوغ الرئيس «غامض جدا» من ناحيتها. كذلك لم ترفض إسرائيل احتمال استيعاب عدد قليل من اللاجئين الفلسطينيين، ولكن ليس في إطار حق العودة. «إسرائيل تفهم أن كل دخول للاجئين إلى أراضيها سيكون خاضعا لقرار إسرائيل الحصري، وعلى أساس اعتبارات إسرائيلية فقط، من قبيل لأغراض إنسانية». ولم تشر إسرائيل إلى عدد اللاجئين الذين ستوافق على استيعابهم، إذا أرادت أصلا استيعاب لاجئين. وعلى ما يبدو، بشأن اللاجئين، فإن وثيقة كيري ستكون أكثر ملاءمة لإسرائيل من خطة كلينتون أي، أقرب كثيرا إلى موقف إيهود باراك منها إلى اقتراح كلينتون.
ولم يذكر كلينتون في اقتراحه قضية تعويض اليهود المهاجرين من الدول العربية. وقد طلبت حكومة باراك ربط هذه المسألة بقضية اللاجئين الفلسطينيين في ملحق التوضيحات حيث جاء: «إسرائيل تفترض أن موضوع اللاجئين اليهود سيجد علاجا له». وكدرس من دروس الماضي فإنه يتوقع أن تتضمن خطة كيري إشارة صريحة للموضوع، الأمر الذي سيشكل إنجازا سياسيا لصالح إسرائيل.
لقد حددت خطة كلينتون أن إسرائيل هي «الوطن التاريخي للشعب اليهودي». وإسرائيل لم تتحفظ من هذا التوصيف، والمفاجئ جدا أيضا أن الفلسطينيين لم يتحفظوا إزاء هذا التوصيف في ردهم على خطة كلينتون. وإسرائيل لم تطلب صراحة الاعتراف بها كدولة يهودية، وبدلا من ذلك أصرت على أن إقامة الدولة الفلسطينية «تعبر بشكل نهائي عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره»، وهي صياغة لا تسمح للفلسطينيين بعرض مطالب قومية بعد إنشاء دولتهم. وقد نال هذا الموقف الإسرائيلي دعما متحمسا من المملكة الأردنية، المعنية هي الأخرى بترتيب ونهائي ومطلق للمطامح الوطنية للفلسطينيين.

غلطة عرفات

في المحصلة النهائية، رد إيهود باراك بالإيجاب على مقترحات كلينتون، مع تحفظات «معقولة» في نظر الولايات المتحدة. وبالمقابل فإن الرد الفلسطيني تضمن تحفظات مفصلة وطويلة، اعتبرها مسؤول أميركي رفيع المستوى «أفرغت خطة كلينتون من محتواها». ورغم التحفظات، أعلن كلينتون أن الزعماء وافقوا على قبول أفكاره كأساس للمفاوضات، والبقية معروفة: التقى الجانبان في جولة مباحثات أخيرة في طابا، أجريت قبل أسبوعين من موعد الانتخابات العامة في إسرائيل. ولم يتوصلوا إلى اتفاق، لكنهم في البلاغ الختامي قالوا ان «الطرفين لم يكونا أبدا أقرب إلى الاتفاق». وبعد أسبوع من ذلك خسر باراك الانتخابات لمصلحة أرييل شارون.
وعودة إلى أيامنا هذه، حيث ان رد باراك يوضح المشكلة التي يقف أمامها نتنياهو في الوقت الراهن. فوثيقة كيري ستكون «موالية لإسرائيل» أكثر من خطة كلينتون، على الأقل في ثلاثة مواضيع: القدس، (الصياغة ستكون أكثر غموضا وعمومية)، الاعتراف المتبادل (كيري سيشدد على مسألة الدولة اليهودية) واللاجئين. ورغم أصوات اليأس في ائتلافه الحكومي، فإنه سيكون صعبا جدا على نتنياهو في الظروف الراهنة تقديم تحفظات جوهرية.
وسوف يحاول أبو مازن الزعم أن الوثيقة تشكل تراجعا عن اقتراحات كلينتون، لكن الأميركيين سيردون عليه، وبحق، بأن المسؤولية في ذلك تقع على كاهل سلفه في المنصب، ياسر عرفات، الذي اقترف خطأ خطيرا حينما رفض اقتراح الرئيس. في نهاية المطاف، وبعد عشرات المكالمات الأخرى مع جون كيري وعدد لا يحصى من المشاورات السياسية سيضطر الزعيمان لتقديم رد يشبه الرد الذي عرضه في حينه إيهود باراك: الكثير من «نعم»، والقليل من «لكن». السؤال الأكبر هو هل هم فعلا مؤهلون لذلك.

السابق
فنزويلا: تظاهرة بالسيارات والدراجات احتجاجاً على “التعذيب والقمع”
التالي
اشتعلت بين سليمان و”حزب الله”.. والنتيجة: لا بيان وزاري!