توافر السلع لا يعني وصولها لجميع السوريين

عندما تسأل في سوريا عن توفر السلع والمواد تأتيك الإجابة بأن كل شيء متوفر، ورغم طول فترة الأزمة إلا أن المواد على اختلافها لم تفقد من الأسواق، لكن بالطبع يتوقف ذلك على طبيعة المنطقة ومدى قربها أو بعدها من مناطق الاشتباك. ويلاحظ متابعون لحركة الأسواق توفر السلع في محافظات مثل دمشق وحمص واللاذقية.

إلا أن توفر السلع لا يعني وصولها إلى جميع السوريين، خاصة وأن هذا الأمر أصبحت تحكمه الكثير من الظروف الأمنية وإغلاق الطرق، الأمر الذي أجبر البعض على القيام بشراء كميات كبيرة من المواد الغذائية، خاصة الأساسية (رز – سكر – زيت – سمنة)، وهذا يشمل فقط من تسمح لهم ظروفهم المادية. ومقابل ذلك يتحدث سوريون على أنهم يقومون بتأمين حاجتهم من السلع يوما بيوم لعدم توفر سيولة مادية تمكنهم من شراء كميات وفيرة، وأن البحث يكون عن السلعة الأرخص.
ويقول عادل لـ«السفير»، «أنا أسكن في منطقة بعيدة عن مركز المدينة (دمشق) حيث قد لا تتوفر جميع المواد، وأقوم في حالات كثيرة بالتبضع من مركز المدينة، وبالتالي أنا مضطر لأشتري عددا كبيرا من السلع والمواد، خصوصا الأساسية منها، لكنني أواجه برفض بعض الباعة بيعي الكميات التي أريدها ما يضطرني للتجول وشراء ذات السلعة من أكثر من محل، وهذا الأمر يسري أيضا على المخابز».
لكن اندلاع الاشتباكات في مناطق ريفية قد تؤدي إلى إغلاق الطرق، ما قد يؤدي إلى نفاد كميات الطحين من المخابز، وهذا ما أشارت له إحدى الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بأنه نتيجة إغلاق الطرقات مؤخرا فان هناك معلومات تفيد بنفاد كمية الطحين التي كانت في منطقة الهامة وهذا قد يؤدي لانعدام الخبز خلال ساعات.
وائل، الذي يسكن في الهامة يشرح لـ«السفير»، كيف تنفد السلع من المحال خلال اليوم التالي لإغلاق الطرقات، خاصة ما يتعلق بالخضار والفاكهة، لأنه لا يتوفر في هذه المحلات إلا ما يكفي بيعه ليوم واحد»، لكنه أشار إلى أن «التدافع يمكن أن يحصل على الخبز حصرا» .
وهناك من الباعة من يركز على سلعة واحدة، ويرفض بيع أكثر من عبوة من الصنف ذاته لشخص واحد. وهذا ما توضحه منال، لـ«السفير». وتقول «لا تبيع الصيدليات حيث اقطن سوى علبة واحدة من حليب الأطفال لكل شخص، حتى تتمكن جميع العائلات في تلك المنطقة من تأمين الحليب لأطفالها».
وتضيف «هذا الأمر لا يزعجني كثيرا، كوني أتفهم وضع المنطقة التي نتواجد فيها، وصعوبة إيصال البضائع في بعض الأحيان»، مضيفة «تفضل بعض المحلات الابقاء على سلع احتياطية للأوقات الصعبة، لكن ما ألجأ له في بعض المرات حتى أحصل على أكثر من عبوة من ذات السلعة هو انني أرسل أكثر من شخص من قبلي ليشتري علب الحليب، وبالتالي أستطيع الحصول على حاجتي وزيادة».
من جهته، يتحدث طارق لـ«السفير»، عن طريقته في الحصول على ما يريد، موضحا انه عندما يحدد له أصحاب المحلات عددا معينا من السلع ليشتريها فإنه بكل بساطة يترك المتجر ويتجه إلى غيره ليأخذ حاجته كما يريد، في حين تقول هبة «أقوم بشراء أغراض تكفيني لمدة 20 يوما على الأقل، وفي كل مرة أعاود فيها الشراء فإنني أبحث عن السلعة الأرخص».
وفي ذات السياق، يقول أحد تجار المواد الغذائية (فضل عدم ذكر اسمه) والذي يفتتح محلا لبيع المواد الغذائية وسط دمشق لـ«السفير»، إن «60 في المئة من المواد المباعة مستوردة، وذلك حتى نتمكن من تغطية النقص الموجود في الانتاج المحلي»، مضيفا «حتى نتجنب فقدان أي مادة فاننا نقوم في كل مرة نشعر فيها بذلك بتحديد حجم البيع للمستهلكين، أي نسمح لكل شخص بأخذ عبوة واحدة من أي مادة غذائية يريدها، وإن كان هذا الأمر يجعلنا ندخل في جدال طويل مع المستهلكين، علما أن كمية المواد الغذائية الموجودة في مستودعاتي تكفي لستة أشهر مقبلة، لكن التخوف من الأحداث هو ما يزيد حركة الشراء للسلع».
وأضاف «أذكر أنه في الفترة التي أعلن فيها عن إمكانية تعرض سوريا لضربة خارجية أفرغت مستودعاتي من مخزونها خلال أربعة أيام، وهذا يعني أن المستهلكين يساهمون في كثير من الحالات بخلق الأزمات والوصول إلى فقدان المواد».
من جهته، يشير عضو «لجنة تجار سوق الهال» أسامة قزيز لـ«السفير» الى «تقلب أسعار الخضار والفواكه، وذلك حسب العرض والطلب من جهة ووفرة المادة وقلتها من جهة أخرى بسبب الظروف الأمنية على الطرقات بين المحافظات، وهذا الأمر يؤدي إلى عدم التقيد بالأسعار. ونتيجة لتوجيه مخالفات للتجار، فقد قام عدد كبير منهم بالعزوف عن العمل، كما أن معظم الخضار والفواكه الموجودة في سوق الهال مستوردة، ولهذا فانه لا يمكن السيطرة على سعرها، وغالبية الخضار سريعة التلف، لذلك لا يمكن التحكم بأسعارها ولا بد من تصريفها بسرعة».
ويترافق عمل التجار مع توجيهات الحكومة التي طالبت مؤخرا بزيادة تمويل المستوردات، ما يعني طرح المزيد من المواد المختلفة، مع خضوع هذه العملية لضوابط، بحيث لا يزيد العرض من سلعة معينة عن الطلب.
ومقابل ذلك بدأت الحركة باتجاه إعادة هيكلة عدد من المصانع لتعود للإنتاج، وتكون قادرة على تصدير بضاعتها إلى الخارج بعد أن كانت سوريا تصدر العديد من الصناعات النسيجية والغذائية وغيرها.
ويجمع العديد من التجار على أن الحكومة تشاركت معهم في تأمين السلع، وخلال ثلاث سنوات مازال المستهلك السوري يجد السلع الاساسية في الأسواق، بما في ذلك العديد من الكماليات، وبالتالي لن يكون هناك فقدان لأي مادة، سواء كانت مدعومة من الحكومة أو القطاع الخاص.
وتشير الأرقام الرسمية الى أن الصادرات السورية من المواد الغذائية في العام 2010 شكلت نسبة 28 في المئة من مجمل الصادرات، تأخذ الدول العربية نسبة 40 في المئة منها، أما المستوردات من المواد الغذائية فنسبتها تزيد عن 16 في المئة.
ومقابل الاستمرار باستيراد السلع، فان هناك حاجة لإعادة حركة التصدير من سوريا لما كانت عليه قبل الأزمة، لذلك كان لا بد من القيام بخطوات منظمة تعيد للصناعة السورية مكانتها.
ويقول نائب رئيس رابطة المصدرين السوريين للألبسة والنسيج فراس تقي الدين، لـ«السفير»، ان «قطاع النسيج كان أحد أهم القطاعات الصناعية في سوريا، كونه يسهم في تشغيل 40 في المئة من اليد العاملة، وهو قطاع واجه بعض الصعوبات قبل الأزمة، ومع بدء الأزمة تفاقمت الصعوبات حتى أصبح 70 في المئة من المنشآت خارج الخدمة. بعضها لم يدمر وإنما أصبح من الصعب الوصول له، ما ادى الى انخفاض الانتاج بنسبة 50 في المئة».
واضاف «نعتبر أننا في الفترة الأخيرة قمنا بقفزة تسويقية من خلال معرضين أقيما في لبنان، وبوجود اقبال كبير من الزبائن تم خلال المعرض الأول فقد تم افراغ مستودعات كل المنتجين من البضائع، ما أعاد السيولة الى الحياة الصناعية والانتاجية، كما تمكنا من إعادة الصلة بين المستورد والمصنع السوري، ووصلت قيمة العقود الموقعة خلال المعرض الأول إلى 50 مليون دولار، فيما وصلت في المعرض الثاني إلى 70 مليون دولار، وهذا الاقبال يثبت بأنه لا غنى عن البضاعة السورية. كما ساهم المعرض في إعادة رساميل إلى سوريا، حيث كاد العمل في القطاع النسيجي يتلاشى بسبب صعوبة التصنيع وعدم وجود زبائن».
ويضيف تقي الدين «استطاع قطاع النسيج إعادة هيكلة المصانع من خلال اقامة مصانع صغيرة داخل المدن، وهذا يعني تشغيل قطاعات أخرى مثل المطابع وورشات الخياطة».
من جهته، يقول أمين سر اتحاد المصدرين مازن حمور لـ«السفير» أنه «في فترة ما قبل الأزمة كان واقع التصدير مختلفا جدا، وكان جميع المصدرين ومعهم الحكومة وخزينة الدولة يستفيدون من التصدير، ولم تكن هناك أي عوائق أو مشاكل في هذا الموضوع بالمطلق، وأهم ما كنا نصدره هو الصناعات النسيجية، حيث اشتهرت سوريا بصناعة الألبسة بشكل كبير، وكنا ننافس المنتج الفرنسي في عقر داره، يأتي من بعدها صناعة الخيوط والنسيج ثم الصادرات الغذائية المصنعة ثم المنتجات الزراعية (الحمضيات، زيت الزيتون وغيرها) وفي بعض الأحيان صدرنا السكر والقمح والشعير والقطن».
وبرأي حمور فان «هدف الازمة هو تدمير الصناعة السورية ومعها الاقتصاد، نظرا لما شكله المصنع والمصدر والمزارع السوري من خصم ومنافس شرس للسوق التركية تحديدا، حيث خرج المصدرون والمنتجون الأتراك من الأسواق العربية والعالمية مقابل المصدر السوري الذي يشتهر بجودة منتجه وبسعره المنافس، وبالتالي ما رأيناه من الحكومة التركية أنها وجهت ضرباتها للصناعة والمعامل النوعية كمعامل النسيج والخيط والألبسة».
ويضيف حمور «قمنا مؤخرا، ولدعم عملية التصدير، بإعادة تأسيس اتحاد المصدرين، وهدفنا الأول هو إعادة القطع الأجنبي إلى خزينة الدولة بعد أن نصل لمرحلة استقرار سعر الصرف بحدود 150 ليرة سورية وما دون، للدولار. كما يقوم الاتحاد بدعم المصنع بحسب نوعية الصناعة التي يقوم بها. ونحن اليوم نعيد النظر بالأسواق المستهدفة لصادراتنا، وهي ستضم إيران، العراق، روسيا، بيلاروسيا وأوكرانيا».

السابق
رينا شيباني: لن أقدم برنامجاً.. ولم يتصلوا بي من «ديو المشاهير»
التالي
دورة وديع الصافي في المهرجان اللبناني للكتاب الـ33