تكريم خير الدين حسيب: «المفكر المدبّر»

منذ بداية مهرجانها للكتاب أوجدت الحركة الثقافية أنطلياس، ضمن نشاطاتها المتعددة، فسحة لتكريم وجوه ثقافية من لبنان والعالم العربي. هي لفتة تستحق الثناء، في وقت تعزف فيه الدول بشكل عام، عن تكريم أولئك الذين أوجدوا مكانة ما في تفكيرنا وحياتنا وثقافتنا. وبداية نشاطات التكريم هذا العام، كانت باتجاه خير الدين حسيب و«مركز دراسات الوحدة العربية» الذي أسسه في بيروت، عبر ندوة/ لقاء، شارك فيها أنطوان سيف والوزير السابق عصام نعمان، اللذان تعاقبا على الحديث مستعيدان بدايات الانطلاق في هذه المسيرة التي أصبحت في عامها الأربعين تقريباً، فيما لو اعتبرنا أن حسيب جاء إلى بيروت العام 1974 ليعمل كرئيس «لوحدة البرامج والتنسيق» في «اللجنة الاقتصادية لغربي آسيا» التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، قبل أن ينتقل ليصبح رئيساً لقسم «الموارد الطبيعية والعلوم والتكنولوجيا».

أنطوان سيف قدم عرضاً من خلال سيرة المحتفى به لمفهوم «الوحدة العربية» كما عبر عنها حسيب من حيث كونها انفتاحاً وتجدداً، ورأى أن تجربته في العمل الثقافي يمكن أن تجعلنا نرى «أن أموراً كبرى يمكن أن تحدث، بالمعنى التاريخي للعبارة، خارج سلطة الدولة وأن تطوع أنماط الدولة المترهلة وأن ترشدها بالثقافة الديموقراطية التي هي حصيلة أوسع حوار حرّ».
من ناحيته رأى نعمان في «شهادته» عمن جمعته به الزمالة والرفقة والصداقة أن حسيب يحوي داخله «ثلاث شخصيات في إهاب رجل واحد»، هي في آن «الإنسان اللطيف العنيف» و«المفكر المدبر» و«الرائد المجاهد». واعتبر المحاضر أن فرادة حسيب تتجلى بل تسطع «عندما يتجول واحدنا ويتوغل في أرجاء عالمه الخاص، المميز والنادر: مركز دراسات الوحدة العربية. إنه في آن، صرح للثقافة شامخ، ومؤسسة للأبحاث والدراسات متمرسة وثرّة».
نهاية الجلسة كانت للمحتفى به، حيث ارتجل كلمة شكر فيها المتحدثين، ليشير بعد ذلك إلى بعض الملامح الرئيسة للمركز مستعيداً التجربة من بدايتها، من تجربة التأسيس والبيان الذي أصدره برفقة زملاء آخرين، ولغاية اليوم، معتبراً أن نجاح المركز مدين للبنان الذي هو شريك فعلي فيما تحقق، إذ أن حرية التعبير هنا لا مثيل لها في أي قطر عربي آخر، مركزاً في كلامه أيضاً على استقلالية المركز إذ لم يتساهل يوماً في هذه القضية، وهو الإنجاز الكبير الذي «جعله يعيش مبادئه».
وكانت نشاطات المهرجان اللبناني للكتاب قد بدأت بندوة بعنوان «الزراعة والغذاء والمياه في لبنان»، اشترك فيها كل من حنا أبي حبيب وموسى نعمه. ابي حبيب رسم «صورة قاتمة» حول الموضوع معتبراً أنها بلون «القلق على ما نحن فيه» إذ أن المياه بعدما كانت تشكل خزان العرب أضحى يعاني اليوم أخطاراً محدقة تهدد ثروته المائية، أما الزراعة فقد تراجعت كثيراً والأسباب كثيرة، لعل أبرزها أن الميزانية المخصصة لوزارة الزراعة قياساً إلى الوزارات الأخرى تكاد لا تذكر، ليحذر أخيراً من قضية الغذاء، إذ ذكرنا بالمجاعة التي حصدت في الحرب العالمية الأولى أكثر من ثلث سكان جبل لبنان أيام المتصرفية.
اما نعمه فقد تحدث عن مفهوم الأمن الغذائي وتطوره ليرتكز اليوم على أربعة أركان تؤسسه. وأشار الباحث في كلمته أنه يتوجب على لبنان أن يستورد الموارد الغذائية «لذلك يجب أن يكون هناك تخطيط مستقبلي بين وزارات الزراعة والطاقة والمياه والاقتصاد على وضع خطة لإنتاج المحاصيل.

السابق
تدهور بورصة موسكو
التالي
قاديروف: سنرحّل ياروش إلى مكان لم يعد منه أحد