عن دراستنا بالجامعة اللبنانية.. نحن الفقراء فعلا

طلاب الجامعة اللبنانية
الجامعة اللّبنانية كالدولة الرسمية، وجه من وجوه فسادها وإهمالها. الجامعة الأميركية هي المكان العلوي، أي أن طلابها هم أبناء الشريحة اللبنانية التي تبقي البلد منتعشاً اقتصادياً. هي طبقة "فوق"، التي لا ننتبه عادة إلى الهوة بينها وبين الطبقة الكادحة. لكن الوضع الاقتصادي في البلاد حالياً راح يجرف من هو "فوق" ومن هو "تحت". لذلك، اضطرّ أبناء "الدادي" على الاعتراض وسط "شماتة" طلاب اللّبنانية الّذين يريدون لهم أن يذوقوا المرّ الذي يعيشونه.

بين الجامعة الأميركيّة والجامعة اللبنانيّة لم نكن يوماً نحن –الأقلّ حظّاً- من الحالمين حتّى بالدخول إلى الجامعة الأميركيّة. فكرتها كانت مستبعدة لا بل غير واردة على الإطلاق. مشينا بـ”قناعة ورضى” إلى أروقة الجامعة اللّبنانية واختصاصاتها المحدودة والّتي لا مجال للـ”فزلكة” فيها. لم نعرف يوماً ما هي الجامعة الخاصّة ولا كيفية المعاملة فيها لكنّنا شعرنا في مرّاتٍ عدّة بالتفوّق وبأنّ الذين يرتادون “الأميركية” هم الأبناء المدلّلين للحياة الّذين لم يعرفوا مرّها. سبب هذا الشعور بالتفوّق، الذي لا يكون صائباً بل أشبه وسيلة لتعزية أنفسنا، كان أنّنا نحن نعاني لنكمل تعليمنا. يجب علينا أن نتابع أدقّ الأمور من الكتب غير المتوفّرة حتّى غياب الدكاترة أو حتّى أحياناً عدم كفاءتهم. أذكر أنّي في السنة الثانية لدراستي اختصاص الأدب الانجليزي، كان هناك أستاذ محاضر سوري الجنسية –وقد كان شائعاً وجود الدكاترة السوريين في الجامعة خصوصاً الفرع الثالث في الشمال- أحضر معه رواية لتدريسنا إيّاها.

الرواية كانت مترجمة في صفحات متقابلة، صفحة بالإنجليزية والأخرى بالترجمة العربية. يومها خرجت من المحاضرة مستاءة ولم أكملها حتى النهاية. كانت تلك حالة خاصّة فبعض الأساتذة يتمتّعون بكفاءة عالية وهذا أمر لا يمكن أن نغفل عنه. بعيداً عن كفاءة الأساتذة أو عدمها، توجد المعاملات الرسمية. الموظفون الإداريون -معظمهم- منشغل إمّا بالـ”صبحية” أو متأخّر على الدوام أو غير موجود. كم مرّة ضاعت ملفّاتنا أو بطاقاتنا الجامعية وطلبوا منا أن نصعد إلى الطابق السادس ثم ننزل إلى الأوّل ثم نذهب إلى قسم آخر ثم نصعد ونهبط حتّى يجدوا أخيراً المستند الناقص. كلّ “مشوار” لإتمام المستندات الرسمية للتسجيل أو للامتحان يحتاج من الطالب أن يكون مهيّئاً نفسيّاً للصبر. يجب أن يكون نفسه طويل وألّا يفقد أعصابه وهو يحصل على إجابة “لا أعرف” من الموظّف أو “إسأل فلانة أو علّان”. هذا كلّه يحدث كلّ يوم في الجامعة اللبنانية بمختلف فروعها. هذا إلى جانب القاعات التي لا تتسع التلاميذ أحياناً وبعض القاعات التي يرشح الماء من سقفها شتاءً أو التي لا تستطيع التركيز فيها بسبب ضجيج يأتي من الخارج. هذا أيضاً عداك عن هيمنة الأحزاب والخلافات بين اللجان الطلابيّة وما إلى ذلك. طلّاب الجامعة اللّبنانيّة رغم ذلك لم يثوروا. اعتصموا أحياناً ولكن لم تؤخذ يوماً مطالبهم بجدية ولم تصل إلى مستوى الاعتراض المطلوب. حتّى حين أقرّت الجامعة الزيادة على رسوم تسجيل الماجستير، “دفع الجميع متل الشطّار”.
الجامعة اللّبنانية كالدولة الرسمية، وجه من وجوه فسادها وإهمالها. الجامعة الأميركية هي المكان العلوي، أي أن طلابها هم أبناء الشريحة اللبنانية التي تبقي البلد منتعشاً اقتصادياً. هي طبقة “فوق”، التي لا ننتبه عادة إلى الهوة بينها وبين الطبقة الكادحة. لكن الوضع الاقتصادي في البلاد حالياً راح يجرف من هو “فوق” ومن هو “تحت”. لذلك، اضطرّ أبناء “الدادي” على الاعتراض وسط “شماتة” طلاب اللّبنانية الّذين يريدون لهم أن يذوقوا المرّ الذي يعيشونه.

طلاب الأميركية يملكون حتّى حظوظاً أفضل في سوق العمل فقط لأنّهم خريجوها، ما يزيد حسرة طلاب اللبنانية. هكذا تبدو الصورة العامة، لكن في خفاياها هناك تلاميذ في الأميركية أيضاً يعملون ليدفعوا أقساطهم أو يحاولون التفوق للحصول على منحة لأنّهم يريدون فرصة تعليم أفضل. ومن حقهم الطبيعي الاعتراض على الزيادة. هذا كله غير قابل للشماتة والمطلوب ليس فقط تعديل الأقساط في الأميركية بل إعادة النظر في النظام الجامعي اللبناني برمّته وردم الهوّة بين اللبنانية وغيرها من الجامعات لكي تنتهي مأساة الطلاب الفقراء ويصبح للطلاب الآخرين خيارات أخرى.

السابق
جبل عامل وفلسطين: 200 عام من الوحدة
التالي
ريفي طلب من النيابة العامة التحرك لملاحقة مرتكبي جريمة باب التبانة