كيف قرأ “حزب الله” الغارة الإسرائيلية وماذا كان ردّه

كان “حزب الله” يترقب منذ مدة فعلا عدوانياً اسرائيلياً في زمن ما وفي مكان ما، فهو منذ ان ارتفع الكلام الاسرائيلي قبل نحو ثمانية أشهر حيال تضخم ترسانة الحزب مقروناً بتهديدات متتالية، معطوفاً على الكلام شبه اليومي عن وصول سلاح ذي طبيعة استراتيجية الى مخازن الحزب من النظام السوري، صار على يقين من ان كل تلك المعطيات انما هي مقدمة حتمية لخطوة اسرائيلية ميدانية.

وعليه كانت الغارة على جرود جنتا البقاعية في نقطة حدودية مع الاراضي السورية، أمراً أكد التوقعات ورجح التكهنات.
في قراءة دوائر القرار في الحزب ان الكيان الصهيوني تعمد ان ينفذ ضربته ضد هدف يعي تماماً انه مهجور، لانه لا يريد ضمناً ان ينزل بالحزب خسائر بشرية، بقدر ما أراد ان يوصل رسالة مشفرة تنطوي على حزمة دلالات في هذه المرحلة بالذات.
لذا فإن الدوائر عينها عكفت منذ تبلغها نبأ الغارة التي حصلت ليلاً، على تفكيك مضامين هذه الدلالات وقراءتها بتمعن وتعمق قبل أن تأخذ قرارها وخلصت الى جملة استنتاجات بنت عليها لاحقاً ردة فعلها وهي:
– ان العقل العسكري والأمني الاسرائيلي لا يريد استدراج الحزب الى مواجهة عاجلة وان يفتح معه الابواب الموصدة حالياً على نطاق واسع، لذا فهو لم يتقصد اسقاط ضحايا.
– إن اسرائيل تريد تذكير الحزب بالخطوط الحمر التي عليه البقاء ضمنها وبالخطوط الحمر التي عليه الا يتجاوزها ويتخطاها، خصوصاً ان الحضوب العسكري للحزب تجاوز للمرة الاولى منذ نشأته في مطلع عقد الثمانينات حدود لبنان، وامتد الى الساحة السورية بجلاء ووضوح، ولم يكن امتداداً رمزياً بل عبارة عن حضور فاعل نجح باعتراف الخصوم في إحداث تحولات في الميدان المشتعل منذ نحو ثلاثة اعوام وخصوصاً بعد دوره المميز في اسقاط القصير في أيار من العام الماضي وصولاً الى الامس القريب.
لا شك في ان اسرائيل وعواصم أخرى غربية وعربية تدرك تماماً ان الحزب منذ ان وطئت أقدام مقاتليه الاراضي السورية قد ولج عتبة مرحلة غير مسبوقة، إذ أعلن بجلاء ووضوح انه قطع شوطاً متقدماً في طريق التحول الى قوة اقليمية عابرة للحدود، وخارقة لمعادلات ظن كثر ان المجموعات المسلحة السورية قد فرضتها باتجاه اسقاط النظام في دمشق، لاسيما بعدما سيطرت المعارضات السورية على أكثر من 50 في المئة من الجغرافيا السورية.
في استهلال الامر بنت اسرائيل وعواصم أخرى، حساباتها على اساس ان انخراط الحزب في الميدان السوري سيكون بمثابة استنزاف يومي مضمون له، لذا فهي بادرت الى التزام الصمت، لكن الأمور تغيرت والحسابات تبدلت بعدما بدأت الانهيارات المريعة للمجموعات السورية المسلحة، وشرع النظام السوري في القبض على زمام المبادرة. وعليه بدت اسرائيل كأنها تواجه اخطاراً ليست في حسبانها، فثمة قوتان عسكريتان معاديتان لها تحققان مكاسب، وتكتسبان خبرات ميدانية جديدة وتتزودان أسلحة متطورة.
وعليه، فإن دوائر القرار عينها صارت تقيم على اعتقاد فحواه ان اسرائيل، فضلاً عن حاجتها لتوجيه رسالة عاجلة الى “حزب الله”، انما تقوم بدور نذرت نفسها له خدمةً لتوجهات اقليمية ودولية، عنوانه العريض اعطاء جرعات دعم واسناد للمجموعات المعارضة أو الحيلولة دون حصول انهيارات سريعة لها.
وليس سراً ان الحزب يربط بين الغارة على جرود جنتا، وقبلها العمل على فتح ابواب جبهات جديدة في مناطق الجولان والقنيطرة، بمحاولات لفتح “جدار طيب” مع المعارضة السورية، وتعيين قائد جديد لبقايا “الجيش السوري الحر” كثر الكلام عن علاقة تربطه بالقيادة الاسرائيلية. وهكذا تخرج الدوائر عينها بجملة خلاصات أولية جوهرها ان اسرائيل تريد أن تبلغ من يعنيهم الامر رسالة مضمونها انها صارت شريكة في لعبة الميدان السوري وانها تقوم بتلك المغامرة خدمة لأغراض ومصالح لها، ونزولاً عند امر عمليات خارجي وجِّه إليها. وليس سراً ان الحزب صار في طور قراءة حدود ما يمكن الكيان الاسرائيلي ان يفعله اكثر في الساحة السورية، وبشكل أدق الى أين يمكن ان توغل اسرائيل في لعبة الداخل السوري، واستطراداً هل ستظل عند حدود توجيه الرسائل الى الآخرين، وعند حدود دعم مجموعات مسلحة تأتمر بإمرتها على غرار تجربة “جيش لبنان الجنوبي”؟
اسئلة تحتاج بطبيعة الحال الى مزيد من الوقت لكي يجد الحزب اجابات حازمة وجازمة عنها ليبني على الشيء مقتضاه في قابل الأيام.
ولكن هل تكون الضربة الاسرائيلية للحزب مجرد “جس نبض” وضربة معنوية، في لحظة يعتقد فيها العقل الاسرائيلي ان الحزب مستغرق في الداخل السوري وان ذلك يجعله مكبّل اليدين عاجزاً عن اجتراح رد معين؟
لدى دوائر القرار في الحزب اجابات جاهزة فحواها ان اسرائيل تدرك تماما ان الجسم العسكري الذي رُبّي اساساً على مهمة وحيدة هي الاستعداد ليوم المواجهة الموعود مع الاسرائيليين ما زال بكامل عافيته ولم يمسّ ولم يترك مواقع الرصد والملاحقة للمنظومة العسكرية والأمنية الاسرائيلية.
اما هل كانت اسرائيل تنتظر رداً مباشراً وعاجلاً من الحزب على الضربة غير الموجعة التي تعمدت توجيهها اليه في هذه المرحلة؟
الثابت ان العقل العسكري الاسرائيلي يدرك ان الحزب يؤجل الحسابات مع تل ابيب، ولكنه لا يهملها اطلاقاً، وان ردوده تكون متنوعة الاسلوب والمكان. والاسرائيليون يعرفون قبل سواهم ان الحزب ما تخلف يوماً عن الرد بطرقه المتعددة، وهو صاحب الخبرة العميقة والعريقة بسبل المواجهة مع الكيان الصهيوني.
ولا تخفي الدوائر عينها ان ثمة ردين مباشرين على الغارة الاسرائيلية، الاول تجسد في الكشف عن الغارة والتعهد في بيان بالرد عليها في المكان والزمان المناسبين، وهو امر خالف توقعات العديد من القادة الاسرائيليين الذين كانوا يرجّحون أن الحزب سيبادر الى الايحاء بأن الغارة استهدفت اراضي سورية، وذلك لكي يتهرب من موجبات الرد.
والثاني تجسد في مكمن بحيرة العتيبة الذي سقط نتيجته اكثر من 170 من مقاتلي المجموعات المسلحة السورية، فالحزب تعمّد ان يرد برسالة مضادة على الاسرائيليين فحواها “هذا من صنعنا في الميدان السوري الذي لن نغادره”.
وثمة من يقول ان الحزب تعمد تأخير بيانه عن الغارة حتى يأتي مترافقاً مع شريط فيديو عن عملية العتيبة، التي عدَّت نوعية في يوميات المواجهة في رقعة الميدان السوري.

السابق
ردّاً على الساخرين: AUB مش للـ PAPAZ
التالي
حكومة الأضداد