العلامة السيد محمد حسن الأمين: لإعادة الاعتبار للعقل(2/2)

العلامة محمد حسن الامين
من أبرز مؤلفاته: - الاجتماع العربي الإسلامي - نقد العلمنة والفكر الديني - بين القومية والإسلام - الإسلام والديمقراطية - مساهمات في النقد العربي - وضع المرأة الحقوقي بين الثابت والمتغير.

(تتمة الجزء الاول)

السيد محمد حسن الأمين، عالم دين لبناني من مواليد 1946م. طرح جملة من الأفكار التجديدية التي خرج بها عن السائد الإسلامي؛ فهو من دعاة الدولة المدنية ومن المطالبين بفصل الدين عن الدولة.

رحيل دندش: من الذي يطبق الشريعة؟

 السيد محمد حسن الأمين: الذين يختارهم الناس، إذا كنا نؤمن أن الحكم هو عقد بين المجتمع وبين أفراد معينين في المجتمع، فمعنى ذلك أن الذين يصيغون القانون العام للدولة هم منتخبون من الناس، وهم في صياغتهم لهذا القانون ينطلقون من مفاهيم الناس وقيمهم، ومن قيم الناس أنهم يلتزمون شريعة معينة وأحكاماً معينة، فلا تستطيع هذه الدولة وفق الديمقراطية ووفق التمثيل ووفق العقد الاجتماعي الذي حصل أن تشرّع ما يتناقض مع هذه القيم التي يؤمن بها الناس، ولكن لا تصبح الدولة دينية. ومن هنا فإن من لا يدين بدين الإسلام يكون التعاطي معه على أساس المواطنة، وبالنسبة للتشريع فإذا كان الإسلام يحرّم الخمر والمسيحية أو اليهودية لا تحرم الخمر، فنحن لا نستطيع أن نلزم هؤلاء بتشريعنا، وذلك مبدأ الدولة الحديثة.

رحيل دندش: رب قائل إننا ملتزمون بشريعة تدفعنا من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى تحريم مثل هذه الأمور ؟

السيد محمد حسن الأمين: ما دامت قيمهم الدينية تقوم على السماح لهم بهذا الأمر الفلاني، فلا نستطيع أن نجبرهم على تحريمه، وحقوق المواطنين سواسية، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.

رحيل دندش: في كلام سابق لكم، قلتم إن قيام نظام حكم إسلامي هو واجب عقلي تحتمه ضرورة إقامة أحكام الشرع، التي لا يمكن إقامتها بدون وسيلة السلطة… أليس في ذلك صورة من الإجبار والسلطوية -إن صح التعبير- وعلى رأي من نطبق هذه الشريعة الإسلامية؟

السيد محمد حسن الأمين: نحن نؤمن أن المجتمع المسلم في دولة معينة يريد قانوناً وشريعة تنسجم مع أحكام الإسلام، ولكن أي إسلام ومن يطبقها؟ منهم من يذهب إلى أن الفقهاء؛ أي رجال الدين يتولون السلطة، ونحن نقول هنا يكمن الخطأ، لأن أية سلطة مطلقة وأية سلطة تشرع من دون الرجوع إلى الهيئة التشريعية في المجتمع هي سلطة مستبدة، وستصبح أكثر استبداداً باسم الدين، لذلك نحن نقول إن السلطة ينتجها المجتمع؛ أي يختارها وينتخبها المجتمع، وبالتالي هو الذي يراقبها، وهي تنتج أحكامها وفقاً لإرادة المجتمع، وسوف أقول ما كنت أردده دائماً لو افترضنا أننا مجتمع إسلامي 100% وخُيّرنا بين شرعيّة السلطة أو سلطة الشريعة؛ أي بين أن يكون عندنا سلطة شرعية منتخبة أو يكون عندنا شريعة متسلطة، فإن شرعية السلطة هي الأهم حتى لو كان في شرعية السلطة ما يؤدي إلى مخالفات بالأحكام الإسلامية، لأننا بشرعية السلطة؛ أي بجعل السلطة غير استبدادية ومتداولة، نستطيع أن نصلح أخطاء هذه السلطة. أما إذا كانت هذه السلطة تحتمي بالشريعة الإسلامية يصبح تغييرها مستحيلاً، وبالتالي تصبح أخطاؤها أحكاماً شرعية.

رحيل دندش: سماحة السيد، قلتم إن المجتمع يراقب السلطة حتى في حالة كون الدولة دينية، هل المجتمع قادر حقاً على انتقاد ما هو ديني؟

السيد محمد حسن الأمين: قلت أؤمن بشرعية السلطة، بمعنى أن السلطة تحكم بإرادة الناس، وأن هذه الإرادة ينبغي ألا تكون متناقضة مع الشريعة، ولكن فيما لو تناقضت مع بعض قضايا الشرعية على السلطة أن تحكم وفق إرادة الناس. وفي الدولة الحديثة، هناك مجالس تمكّن الشعوب والمجتمع من الاعتراض على السلطة وإسقاط أحكام السلطة بطبيعة الحال.

رحيل دندش: لديكم الكثير من الأبحاث التي تناولتم فيها موضوع الأيديولوجيا والدين. كيف أثرت الإيديولوجيا في الدين، ونحن نعلم في ذات الوقت كم أفادت أدلجة الدين في خدمة قضايا الأمة؟

السيد محمد حسن الأمين: الإيديولوجيا هي نظام فكري سياسي يعطى طابع القداسة، وقد تكون هذه الإيديولوجيا دينية وقد تكون غير دينية كالإيديولوجيا الماركسية. فالإيديولوجيا منهج بشري ورؤية بشرية يراد لها أن تكون ذات سطوة وقداسة، وبالتالي فالإيديولوجيا هي ضد العقل، وهي إذا كانت دينية هي نظام فكري ديني ورؤية للدين وتفسير له يتحوّل إلى عقيدة، وهنا تكمن الخطورة في أنها تحوّل رؤيتها للدين إلى عقيدة، وبالتالي تستبعد دور العقل. نحن أمة استطاعت الأدلجة أن تنخرها نخراً، وأن تسبب لها الهزائم والمشاكل، وبالتالي فأنا ضد الإيديولوجيا حتى لو كان فيها فائدة. ستالين أنجز الصناعة في روسيا ولكنه قتل عشرات الملايين من الروس، فالاستبداد يمكن أن ينجز أموراً إيجابية، ولكنه رغم ذلك مرفوض، وبالتالي الإيديولوجيا قد تكون فيها منافع أحياناً، ولكنها في مآلاتها الأخيرة هي تصادر العقل الذي نحن أحوج ما نكون إليه كما قلت في مقدمة كلامي، نحن أحوج ما نكون إلى إعادة الاعتبار للعقل، وتقديس الإيديولوجيا هو جزء من استبعاد العقل.

رحيل دندش: هناك من يعتبر أن أدلجة الدين هي التي استطاعت أن ترجع الناس إلى الدين وترسخه عندهم؟

السيد محمد حسن الأمين: أي دين؟ أنا لا أعتقد أن إرجاع الناس إلى الدين بالمطلق أمر إيجابي، نحن لسنا في حاجة إلى أن نرجع الناس إلى الدين بصورة عامة ومطلقة؛ أي بدون إدخال الوعي الديني المتغيّر والمتجدد، كي لا يصبح الدين “دوغما”، فلا يعود حركياً وعنصر تأثير وفعل في بناء الإنسان وفي بناء تطلعاته. نحن نريد الدين وحضوره، بوصفه القيم السامية التي تساعد المجتمع على النهوض وعلى التقدم.

رحيل دندش: حسب تصوركم، ما هو مآل أدلجة الدين، وخصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أنها تكرّس أفهاماً معينة للدين، يمكن أن يتم تداولها من جيل إلى جيل؟

السيد محمد حسن الأمين: كل أيديولوجيا ستنهار وينهار معها جزء من الدين أيضاً. أعتقد أننا بنينا دولة إسلامية عن طريق الإيديولوجيا وأنجزنا بعض المنافع، ولكن هذه الايدولوجيا ستكون فاشلة أمام التحديات الكبرى، ومنها تحديات التنمية وبناء الدولة الحديثة وإلغاء الفقر… وبالتالي ستكون النتيجة أن الناس عموماً سوف تصاب بخيبة أمل من هذه الإيدولوجيا الدينية، وستكتشف أنها في جانب منها مُضلِّلة وليست مرشدة إلى الحقيقة والواقع، حتى لو كانت فيها فوائد لكنها ليست تعبيراً عن الدين، وهي تعزل العقل عن الدين. الأيديولوجي الإسلامي هو الذي يقدم لكِ ثمرة عقله الإسلامي، ويفرضها عليكِ كمنهج في تفسير الإسلام، وهذا يتناقض تماماً مع حقيقة الأمر الواقع، وهو أن الإسلام يتيح لهذا العقل الإسلامي أن يتحرك وأن يتجاوز الإيديولوجيا. والإيديولوجيا سقطت على كل حال في مجتمعنا الراهن، مر لها زمن، ولكنها تراجعت كثيراً. ويجب علينا أن نكون حذرين من نشوء إيديولوجيات دينية، فأنت لا تستطيعين أن تنشئي أو أن تسمحي بنشوء أيديولوجية واحدة. إنها أيديولوجيات وقد تكون أيديولوجيات متصارعة أكثر فأكثر، ونحن المسلمون نؤمن بوحدة المسلمين، وهذه الوحدة مرتكزة إلى عقيدة وإلى تعامل عقلي مع هذه العقيدة، وليس كأيديولوجيا تُعلّب الدين وتفرض علينا صورة محددة من صوره، وتمنع علينا الصور الممكنة التي يمكن أن تتطوّر وتتحول، وتكون إنجازاً لدينامية العقل التي افتقدناها.

رحيل دندش: فيما يتعلق بواقع المسلمين عموماً، وهو واقع مذهبي وطائفي إلى أبعد الحدود، أي مصير -بحسب تصوركم- يواجه الإسلام على ضوء هذا الواقع؟

السيد محمد حسن الأمين: المسلمون بحاجة إلى العلم، وأتمنى أن يكون لدينا نحن كمسلمين نهضة علمية، لأننا بذلك نطوّر بنية العقل الذي نملكه، ويعود هذا التطور بالنفع على الدين نفسه وليس ضد الدين. العالم الإسلامي نصفه إن لم يكن أكثر من الأميين، وهنا المشكلة مشكلة التخلف التي يستثمرها المال ويستثمرها الدين، فالآن ما يسمّى بالأصوليات أو السلفيات أو التكفيريين أو غيرهم إنهم يستغلون الدين في غياب العلم، وفي غياب الوعي، فالعلم هو الذي ينتج الوعي الضروري للتعامل مع الدين، ولذلك لا بد من ثورة علمية.

رحيل دندش: ماذا عن الفكر الغربي؟ وكيف يمكن لنا كمسلمين أن نستفيد منه لإحراز هذه النهضة العلمية، وخصوصاً في ظل مؤامرات غربية تعمل على بقائنا تحت نير التخلف في الوقت نفسه؟

السيد محمد حسن الأمين: هناك مستويان في التعامل مع الغرب، فمرة ننظر إليه كمشهد للاستعمار وخلق عوامل تخلف عند المسلمين، وهذه نظرة للغرب ولا نستطيع أن نلغيها لأنها كانت أمراً واقعاً. النظرة الثانية هي أن الغرب أنجز حضارة وتكنولوجيا وأنجز أنظمة ونظم رائعة، وأنجز تقدماً في مفهوم السلطة، والحكمة ضالة المؤمن يأخذها أينما وجدها، فنحن نستطيع أن نأخذ من الغرب هذه الإنجازات ومناهج هذه الإنجازات دون أن يعني ذلك أن نستسلم لإرادة الغرب، وعندما نتمكن من إنجاز ثورتنا العلمية والتكنولوجية والتنموية، سنكون أقوياء ولا نكون موضع استضعاف. فلو لم يكن هناك مستشرقون غربيون لم نكن لنعرف كثيراً من جوانب تراثنا، هذا لا يعني أن بعض المستشرقين لم تكن لديهم غايات استعمارية، ولكن هناك المستشرقين الذين عملوا بجد وحب لهذا التراث، وقدموا لنا خدمة كبيرة في هذا المجال… لست مع عداوة الغرب، إننا والغرب حضارتان تلتقيان في كثير من الآفاق والكثير من المسائل الجوهرية، ولابد لنا أن نتعلم من الغرب كما تعلّم الغرب منا نحن المسلمين.

رحيل دندش: ماذا عن دور المرأة في إحداث هذه النهضة المنشودة، وخصوصاً أن هناك الكثيرين ممن ينتقدون دعوات تحرير المرأة، بحجة أن هذه الدعوة هي دعوة غربية. كيف تنظرون إلى هذه المشكلة؟ أليس في نهوض المرأة وتنويرها ركيزة من ركائز قيام نهضة المجتمع العربي؟

 السيد محمد حسن الأمين: لا يمكن أن تقوم النهضة المنشودة والمتطلع إليها دون حضور ساطع للمرأة، وليس حضوراً شكلياً، وإنما حضوراً عملياً، وبالتالي يجب أن نعترف أننا مجتمع ذكوري، وأن هذه الذكورية أثّرت حتى على اجتهاداتنا في الفقه الإسلامي، وأنا من أصحاب الدعوة لأن تأخذ المرأة -وليس أن تعطي- دورها الكامل الذي قد يكون في بعض الأحيان أهم من دور الرجل، حتى في مجالات العلوم والتكنولوجيا ومجالات السياسة والاجتماع وفي كل المجالات؛ فالمرأة هي شريكة الرجل في كل شيء، وبالتالي مسؤوليتها هي مسؤولية الرجل أيضاً، لذلك إن أية صورة من صور تقييد المرأة وقمع إمكاناتها الإبداعية هي صورة مؤسفة من صور الدعوة إلى البقاء في موقع التخلف والتراجع الذي نراه في مجتمعاتنا.

السابق
LBC: انتحاري الشويفات كان يعتزم تفجير نفسه بمركز تعبئة الغاز ببئر حسن
التالي
كيروز: التعرض لأي وسيلة إعلامية تعرض للحريات في لبنان