وحدها القبضة المدعومة والمخوّلة

تُقلق المحادثات الإيرانيّة – الأميركيّة كثيراً من الدول الأوروبيّة، وتُثير حفيظة الروس، كون المُعلن منها لا تكتنفه أسرار، فيما البعيد عن الأضواء بعيد أيضاً عن مدارك الفهم والإستيعاب، حول أيّ استراتيجيّة ترسم، وأيّ دور تطمح اليه إيران على مستوى الشرق الأوسط، وسط توقعات روسيّة أن تكون مصالح الولايات المتحدة الأميركية محروسة من شرطيّين موثوقين، الإسرائيلي من جهة، والإيراني من جهة أخرى.
يعاني بعض دول مجلس التعاون الخليجي حال هلع. كان الاعتقاد بأنّ الولايات المتحدة الأميركية جاهزة، مستنفرة للتحرّك ضدّ طهران عند الإشارة الأولى، وكان هذا الاعتقاد مبنيّاً على العلاقات النفطيّة، والفاتورة الإستهلاكيّة، ودور البترودولار في تشغيل مصانع السيارات، والأسلحة، والشركات.

لكنّ الإنكشاف الكبير الذي ظهر بعد الانسحاب الأميركي من العراق، وصمود النظام في سوريا، قد أثارا حالاً من التلبّك والإرباك داخل البيئة الخليجيّة، خصوصاً عندما خرج التفاهم حول النووي الإيراني الى العلن.

كانت الإشارات الإيجابيّة الصادرة عن طهران ومجموعة الدول (5+1) صادمة، حتى أنّ جانباً من المحادثات التي أجراها وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري لاحقاً في الرياض وبعض العواصم الخليجيّة الأخرى، كانت في قمة الصراحة، حيث انتقد بشدّة سياسة العزل التي تمارس ضدّ سلطنة عُمان انتقاماً من الدور الذي أدّته في استضافة جولات مهمة من المفاوضات السريّة ما بين الطرفين الأميركي والإيراني.

وشرّ البليّة أنّ النظام في سوريا قد صمد على رغم المليارات الخليجيّة التي أنفقت على أبواب المخابرات الغربيّة، وأمام دوائر القرار، وعند مصانع الأسلحة. ولمّا عجزت المعارضة عن تحقيق شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، لجأت قنوات خليجيّة الى تقديم عرض سخيّ يقضي بتمويل حملة عسكريّة تقودها الولايات المتحدة، ويشارك في صفوفها تحالف دولي – إقليمي عريض، لكنّ الجواب كان أنّ دمشق ليست طرابلس الغرب، وبشّار الأسد ليس معمّر القذافي، ثم هناك “الفيتو” الروسي والصيني الدائم في مجلس الأمن.

ظهرت على الأثر اعتراضات خليجيّة، لكنها كانت نافرة، كونها لا تتماشى مع السياسة التقليديّة الموصوفة بالسريّة والهدوء والإتّزان، وجرَت محاولات لشراء الدبّ الروسي مقابل التخلي عن النسر الأميركي، إلّا أنّها لم تكن موفّقة لاعتبارات عدّة، أبرزها أنّ الإرهاب عاد يضرب بقوة في موسكو، ويُهدّد “سوتشي” ودورتها الأولمبيّة، فيما وجدت الولايات المتحدة نفسها مضطرة للتعاون مع روسيا ودول الإتحاد الأوروبي لمكافحته بعدما تعاظم شأنه في سوريا والعراق ولبنان واليمن، ودول أخرى.

لم يكن الأمر الملكي السعودي بمواجهة الإرهاب نتيجة سَمحة نفس، او يقظة ضمير، إنما اتخذ كنتيجة لسبب، بعدما وضعت المخابرات الأميركيّة – الغربيّة في عهدة الرياض ملفاً متكاملاً موثّقاً حول الإرهاب، مع إشارة الى أنه قد يأخذ طريقه الى مجلس الأمن الدولي لإحالة الدول المتورطة على اللائحة السوداء، وفرض عقوبات اقتصاديّة عليها على غرار تلك التي كانت مفروضة على إيران؟!

تغيَّرت لعبة المصالح، تغيَّرت المعادلات. إيران لا تشارك في جنيف – 2، هذا يعني أن لا حلّ في سوريا، ولا في لبنان، والمليارات الثلاثة ليست هي من يكافح الإرهاب في لبنان، بل التعاون المخابراتي الدولي مع الجيش اللبناني، وحلّ عقدة التنسيق والتعاون معه لحماية دوره، وتمكين قبضته لمواجهة بؤر سرطانيّة خطيرة بدأت تظهر على أطراف الحدود اللبنانية – السوريّة المشتركة، خصوصاً في البقاع، وتتّخذ من بعض الأخاديد والثغور دويلات لها توطئة لتوسيعها وتمددها تحت وابل من الشعارات والعصبيات المستولَدة من بطن التاريخ.

المليارات الثلاثة لا تصنع برقعاً يحجب عيون اللبنانيين عن الإرهاب الذي يفتك بهم. والتحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة لا يجمّل الدور الإيراني الذي ما كان يوماً داعماً للدولة والشرعيّة بمقدار ما كان داعماً لمآربه وغاياته في هذه الدولة والشرعيّة.

ومال الشام الذي يبعثر على طاولة مفاوضات عبثيّة في جنيف تتمّ تحت إشراف الراعيَّين الأميركي والروسي، لن يعيد نازحاً سوريّاً في المستقبل المنظور، ولن يساهم في حلّ عقدة لبنان من وزر النزوح واللجوء الذي يصنع من بعض المخيمات دويلات إرهابيّة داخل الدولة.

ومع تقدّم الجهود الأميركيّة الضاغطة لإطلاق “اتفاق إطار” ما بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين في الربيع الآتي، لا بدّ من التذكير بأنّه كان في لبنان نهرَ باردٍ كلّف الجيش اللبناني مئات الشهداء… والآن هناك أكثر من نهر بارد يتفاقم؟!

السابق
جيش الاحتلال كثف وجوده في الغجر
التالي
أليستر كروك: لا يمكن للغرب محاربة «القاعدة» وإسقاط الأسد