سياسة الإصلاحات الأميركية في المنطقة العربية: بين القيم والمصالح

كان بإمكان عبد الغني نصر علي الشميري، اختصار حوالى مئتي صفحة من مجموع صفحات كتابه الـ 528، والصادر حديثاً عن «منتدى المعارف» في بيروت بعنوان «سياسة الإصلاحات الأميركية في المنطقة العربية: بين القيم والمصالح»، بالنظر الى تشابه وتكرار نماذج الأفكار التي تصدى لها في مؤلفه لتثبيت فحوى ما أراد، والقاضي بتغليب الولايات المتحدة الأميركية لمصالحها على حساب قيم الديموقراطية التي تنادي بها، إذا ما تضاربت مع تلك المصالح.

ليس في الإشارة السابقة ما ينتقص من تأكيد ما هو مؤكد حول سياسة أميركا المنحازة لمصالحها، وبخاصة في المنطقة العربية، وإنما من حاجة تكثيف المضمون، وشطب التكرار.

ولو استعرضنا العناوين الفرعية، لأدركنا تشابهها، وتماثل العديد من الفقرات ذات المحتوى الواحد في المتن، إضافة لمسارعة الشميري مناقشة «السياسة الأميركية والربيع العربي» (من ص457 الى 500)، بعد أن كان الكتاب أطروحة دكتوراه (ص24)، فبدت هذه الإضافة وكأنها لازمة زجلية، أو ترويج إعلاني لا بد من الوقوف عنده، مهما بلغت القدرة في قراءة تلك السياسة وذاك الحدث، بالرغم مما يزال يختمره من تشكلات، واختلاطات، وتأثيرات خارجية، وانبعاثات غير نهائية.

يتميز الكتاب بالكم الوافر من توثيق تصريحات باتت معروفة، أدلى بها قادة كبارأميركيون، وبعض ما جاء فـي دراسـات كبريات مراكز الأبحاث الأميركـية، ومثلـها ما ورد في إصـدارات ومؤلفات لباحثين عرب وأجانب، وأيضاً في تذكيره بالمبادرات الأميركية في هذا الشـأن (الشـرق الأوسـط الكـبير العام 2004، ومبادرة كولن باول العام 2002 الخ)،بما يؤكد تذبذب السياسة الأميركية تاريخياً بمحاربة أي إجراء إصلاحي في الوطن العربي، وإن نادت به علناً، بحجة مفادها تضاد الديموقراطية مع البيئة الثقافية العربية-الإسلامية، مع تدخل المؤلف بتصنيف دول المنطقة بين حليف لأميركا ومعادٍ لها، من دون التطرق الى الوجود العـسـكري الأمـيركي في قاعدة عيديد في قطر!، ولا الى الدور القطري في زمن ما سـمـي الربيـع العربي (ننـصح بـقراءة حـديث رئيـس الحكومة الانتقالية في ليبيا محـمود جـبـريل لــ «الحـياة»)، واكتفـائـه – أي الشميري – بالتنويه بما تتمتع قطر به من حريات كفلها الدستور(؟!).

استبعاد التحول الديموقراطي

في القسم الأول من الكتاب بعنوان «الإصلاحات السياسية في المنطقة العربية»، تناول مفهوم الإصلاح السياسي، وتعدد تعريفات المصطلح، وإشارته إلى عدم تسجيل أي نظام عربي منذ مرحلة الاستقلال لأي مبادرة إصلاح أو انفتاح سياسي(ص50)، مبرزاً للخصائص المشتركة بين أنظمة الحكم العربية ومنها: أزمة الشرعية، هشاشة الدولة لأن الولاء للعشيرة أو القبيلة أو الطائفة، غياب التعددية السياسية، ضعف المعارضة، الاستبداد والقابلية به، شارحاً أسباب هذه الحالة المستدامة بوصفها أبرز معوقات أي إصلاح سياسي للوصول الى التحول الديموقراطي، لأن ركيزة الاستبداد تكمن في الأنماط والمؤسسات التي تديرها الأنظمة بالتعاون مع القوى الخارجية.(ينقل من كتاب المنصف المرزوقي نقده الاستبداد العربي ولكن لم يشر إلى ممارسته السلطة عندما صار رئيساً لتونس بعد ثورتها).

وإذ يستبعد الشميري عدم نجاح أي شكل من أشكال التحول الديموقراطي بسبب البيئة الثقافية السياسية السائدة، وفي حقيقة الصراع بين الدين والدولة ببعده التاريخي، فإنه يستكمل تعرية انعدام هذا النجاح بتسليطه الضوء على العوامل الخارجية أيضاً، والبداية مع تجربة مصر المبكرة كتجربة واعدة العام 1860 والتي أسقطها الاحتلال العسكري البريطاني العام 1882، وللإرث الاستعماري التقسيمي والاستغلالي، وزرعه الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي، وإستراتيجية أميركا في المنطقة.

تتميز المنطقة العربية بجغرافيا طبيعية وبشرية وثروات، وتنوع أثني وديني، ما جعلها مسرحاً للصراع الإقليمي والدولي، وزاد من حدتها ضمانة أميركا أمن إسرائيل وحماية تدفق النفط، هذا ما يؤكده المؤلف في معظم صفحات كتابه… يقول لقد حرصت أميركا على تقوية نفوذها بأشكال مختلفة في العالم العربي، واعتـمدت إســتراتيجية الإسـقاط التدريجي للـمجال الحيوي العربي، بدءاً من الاحتواء والسيطرة غير المباشرة، إلى الاحتلال المباشر (حالة العراق)، والإسقاط النهائي من طريق خلق أزمات جديدة (ص219)، فأطلق على مرحلة ما بعد العام 90 في العلاقات العربية- الأميركية مرحلة ثنائية الأمن العسكري – الاقتصادي، وإستراتيجية تبعية الأنظمة الحاكمة لها، وعممت ثقافة فوبيا الإسلام بعد إسقاطها خطر الشيوعية (موقفها الرافض لفوز حركة حماس بانتخابات تشريعية ما لم تعترف بإسرائيل، ومنها أيضاً وعلى سبيل المثال دعمها حركة طالبان للوصول إلى السلطة العام 96 في أفغانستان «لأنه وفقاً لبريجنسكي أن المهم من منظور التاريخ سقوط الإمبراطورية السوفياتية أكثر من مجيء طالبان»، وعندما انتـفت الحـاجـة تذكـر بـوش الابن حقوق المرأة في كابول (ص408-409،)، لكن هدفها الأول والأخـير تجـسد في حمـاية مـصالحها الاقـتصادية والسـياسية وتجـلى في استمرار تدفق النـفـط، تأمـيـن الـممرات المائية، حماية أمن إسـرائيل، واعـتـبـار المنـطقة وبخـاصـة دول الخـلـيج سـوقاً استـهلاكية لبـضـائـعها.(ص 260).

لسانهم أدانهم

يفرد في القسم الثاني لسياسة أميركا والديموقراطية في المنطقة فصلين عن محددات الإصلاح السياسي الأميركي، وواقع الإصلاحات الأميركية بين القيم والمـصـالح، فـيـؤكد أن مشروع الشرق الأوسط الـجـديد إنـما صـيغ بـما يتـسـق مع مصالح الأمن القومي الأمبراطوري الأميركي، مع ثبت مـتـعـدد ومتـنـوع لمـقولات ودراسات أولبرايت، ومؤسسـة رانـد للأبحـاث، وخـطـة كـيركـباتـريـك، وبريجنسـكي، وكـونداليزا رايـس، وفـوكـويـامـا، وكـيسـينـجر، وبوش الابن، ووثـائـق الأمـن الـقـومـي الأميركي ما بعد 11 أيلول، وبرنامج كولن باول الذي صنف الأنظمة العربية التي عليها إجراء إصلاحات بنفسها، وتلك التي يتم فرض الإصلاحات عليها بالقوة وهي سورية وليبيا والعراق، والمجموعة التي تكتفي أميركا بإرسال خبراء لها، وتلك التي تقبل الشراكة المحددة ومنها قطر والأردن، بما يتطابق مع تناقض قيم أميركا بالترويج لنشر الديموقراطية والعمل على تثبيت مصالحها الممثلة بالنفط وأمن إسرائيل.

أما محاربة الإرهاب فقد بات أحد محددات السياسة الأميركية (ص395) وليس نشر الديموقراطية في المنطقة، وهو ما يصب في خانة أولوية الأمن بالنسبة لأميركا، أكثر من الإصلاح السياسي ونشر الديموقراطية، ليخطو ناحية مرحلة اوباما والتي رأى الشميري أن دعمه للإصلاح السياسي أقل وضوحاً (ص443)، وأن سياسة أميركا سواء مع الديموقراطيين أو الجمهوريين تبقى في إطار إحكام السيطرة على النفط، وحماية أمن إسرائيل (ص448) في حين إنها اعتمدت فن سياسة تكتيك الفعل واللحظة مع الربيع العربي (ص501)، مستبقاً الإدارة الأميركية باستشرافه ملامح إستراتيجيها في ظل ثورات الربيع العربي ( مصطلح أطلقه الصحافي الأميركي توماس فريدمان وفقاً لمحمود جبريل لـ «الحياة»)، فيتنبأ الشميري إنها ستتعامل مع كل واحدة بشكل منفرد لضمان مصالحها، وستعتمد إستراتيجية تغيير ديموقراطي طويلة الأجل في دول الخليج ما عدا البحرين(؟) والاستمرار في احتواء إيران وعزلها عن العالم طالما استمرت في طموحاتها النووية وقمع شعبها (استقراء غاير المعطيات اللاحقة)، واستبدال دعم الأنظمة الديكتاتورية بدعم المجتمع المدني (ص508-509)، (سبق للسفير الأميركي الأسبق في لبنان جيفري فيلتمان أن كشف أمام أعضاء الكونغرس دفعه مبلغ خمسمئة مليون دولار لجمعيات ومؤسسات إعلامية وإعلاميين لتسويق السياسة الأميركية ضد إيران و «حزب الله»، ومثله أعلنت سفيرة أميركا السابقة في القاهرة آن باترسون أمام مجلس الشيوخ عن دفعها 40 مليون دولار خلال أشهر العام 2011 لجمعيات مدنية في مصر – كتاب مصر بعد الثورة عن الدار المصرية – اللبنانية).. لا تعليق؟!

 

السابق
هشام حداد من «كوميدي نايت» إلى مسرح جو قديح
التالي
صيادو صور: الثروة السمكية في خطر