هل تفتح الحكومة أفق “تطبيع” العلاقة بين “المستقبل” و”حزب الله”؟

هل تكون ولادة الحكومة الجديدة مقدمة لاعادة وصل ما انقطع بين قطبي الصراع اي تيار “المستقبل” و”حزب الله”، ام أن حدث التأليف والولادة لا يعدو كونه أمراً ساهمت في فرضه حسابات وضرورات خارجية تحت عنوان لملمة الساحة اللبنانية للحؤول دون انزلاقها نحو مهاوي الانفجارات التي قد تفلت من أي عقال وتعصى على الضبط لاحقاً؟

هذا السؤال طرح نفسه في الأوساط السياسية فور الاعلان عن ولادة حكومة الرئيس تمام سلام، وكان الذين طرحوه ثلاث فئات:
الأولى أثارته من باب استعجال قطف ثمار مرحلة ما زالت معالمها في طور التكوين والارتسام وما زال الغموض يكتنفها.
الثانية تداولته من باب الاستعجال في طي صفحة من الصراعات والتنابذات السياسية بين هذين الطرفين وعاشت على وهجها ولهيبها البلاد والحياة السياسية لفترة امتدت نحو ثمانية اعوام، وكانت طاحنة واستخدمت فيها شتى انواع الأسلحة السياسية والاعلامية، وبالتالي فقد ملّوا من هذه الصراعات وتداعياتها ونتائجها.
الثالثة بنت تفاؤلها على فرضية شبه وحيدة هي ان الحكومة ما ولدت وابصرت النور الا لأنها ثمرة تفاهم اقليمي مفتوح سيكون له ولا ريب تتمة تشمل كل ما له صلة بمستقبل الحياة السياسية في لبنان وبالعلاقة بين مكونات المشهد السياسي.
ولم يعد خافياً ان البعض أوغل بعيداً في البناء على حدث الولادة الحكومية الى درجة انه بات ينظر الى مسألة استعداد تيار “المستقبل” ليتصدر مع المتصدرين لجبه هجمة الارهاب المتنامية والمتنقلة، بل ان البعض تحدث عن دور حاسم في هذا المجال لجهاز امني كان في الأشهر القليلة الماضية غائباً عن المشهد ولم يعرف عنه اي دور في مكافحة الارهاب.
لا شك في ان عقد الآمال ونسج الرهانات على مسألة ايجاد مساحات مشتركة بين فريقين سياسيين يتقاسمان عملياً الساحة السياسية ويشكل كل منهما قطب حلفه السياسي، أمر يمتلك مشروعية نسبية في هذه المرحلة بالذات، خصوصاً أن كلاً منهما استخدم في مواجهة الآخر كل ما ملكته أيمانه من اسلحة وقدرات، وعقد كل الرهانات الممكنة على اضعاف خيارات الآخر توطئة لهزيمته او جعله ينصاع لمعادلة سياسية يكون فيها الطرف الاضعف أو المهزوم. ولا ريب ان هذه الصراعات قد اتسعت وهذه الرهانات قد نمت وارتفعت في اعقاب اشتعال فتيل الأزمة في الساحة السورية وتضخم الآمال باسقاط نظام الرئيس بشار الاسد واسطة عقد محور الممانعة والمقاومة.
وعليه، وبعدما عجزت ثلاث سنوات من الأحداث والصراعات الكارثية عن ترجيح كفة المراهنين على تحول جذري في المعادلة السورية عسى ولعل تعكس نفسها على الساحة، فان ثمة من بدأ يبحث عن إمكانين، الأول: فَصْلٌ قدر الممكن والمعقول بين الساحتين السورية واللبنانية والشروع في رحلة سياسية مختلفة في لبنان. والثاني ان رغبة اللاعبين الدوليين في الحد من تداعيات الحدث السوري على دول الجوار راهنا ومستقبلاً فرضت على اطراف الداخل ولا سيما تيار “المستقبل” ان ينزل عن صهوة شعاره الشهير بعزل “حزب الله” وبالتالي القبول بمساكنته في الحكومة الجامعة. لكن ذلك الحدث على بلاغته وأهميته وما ينطوي عليه من مدلولات وابعاد سياسية، لا يعني بالضرورة لعارفي مسار العلاقة بين “المستقبل” و”حزب الله” ان الأمور ذاهبة بينهما في وقت معلوم الى مرحلة التهدئة اولاً ومن ثم العودة الى دائرة “التطبيع” ثانياً، اذ لا تزال هوة انعدام الثقة بينهما كبيرة، ومرحلة التباعد لا يستهان بها.
ومع ذلك ثمة من يتحدث في مجالسه الخاصة عن ان هذه الحكومة الجديدة تجسّد بشكل او بآخر لدى كل طرف من الطرفين مرحلة اختبار نيات توطئة للولوج الى عتبة مرحلة اخرى، وعليه ستكون هذه الحكومة امام سيل من الاختبارات المتتالية، فاما ان تصمد وبالتالي تنتج اشياء جديدة، أو تنهار التجربة كلها وتعود الأمور القهقرى الى المربع الأول اي مربع الصراع والرهانات على صراعات المحيط.
لذا فان ثمة من يختصر معايير المرحلة الجديدة بثلاثة:
– الارهاب.
– البيان الوزاري للحكومة الجديدة.
– الاستحقاق الرئاسي.
وليس سراً ان الارهاب وسبل مكافحته والوقوف في وجهه صار محوراً اساسياً في المشهد السياسي، ويبدو جلياً ان “حزب الله” يريد فعلاً ان تكون عملية جبهه مهمة كل الأطراف بمن فيهم تيار “المستقبل”، حتى ان البعض تحدث عن ان قبول تيار “المستقبل” بالشراكة السياسية عبر الحكومة الحالية هو “توريط” له في عملية المواجهة وجعله في الواجهة بعدما ظل لفترة طويلة يعتبر نفسه خارج الصراع الدائر بين “القاعدة” و”حزب الله”، ومع كل عملية ارهابية جديدة كان يعود الى “نغمة” ان المسؤولية يتحملها الحزب بسبب انخراطه في الميدان السوري، وأن الخلاص من هذا الارهاب المتنامي يبدأ بخروجه سريعاً من هذا الميدان.
وثمة من بات يرى ان هذا النهج لم يعد مجدياً بالنسبة لتيار “المستقبل”، وصار لزاماً عليه الانخراط جدياً في عملية مواجهة الارهاب من خلال التفاهم اولاً على تعريف مشترك لهذا الارهاب مع الحزب والآخرين.
اما البيان الوزاري فان ثمة من نظر اليه من زاوية غير زاوية ايجاد صيغة لفظية ترضي الحزب بشأن موضوع المقاومة، بل من زاوية ان ابداء المرونة في هذا الموضوع بالذات دليل على رغبة في فتح باب “التطبيع” لاحقاً، وان امرار البيان الوزاري هو مقدمة اولية لاختبار النيات ودليل على وجود “كلمة السر” التي كثر الحديث عنها في الآونة الاخيرة وعنوانها العريض الحكومة الوليدة مدخل لمرحلة جديدة. وحتى الآن ثمة من يرصد بدقة كيفية تعاطي ممثل تيار “المستقبل” في لجنة البيان الوزاري مع هذا البند بالذات ليبني على الشيء مقتضاه، وهو في انتظار النهايات لأن الامور بخواتيمها.
اما موضوع الاستحقاق الرئاسي فلقد بات في نظر الكثيرين تعبيراً عن امرين: الاول انه عنوان المرحلة المقبلة، والثاني انه احد اقانيم “التفاهم” الذي كان بمثابة القابلة التي أولدت الحكومة الجديدة وأحد مرتكزاته الاساسية مستقبلا. ولا شك في ان “حزب الله” يرصد بدقة التحرك الاخير للرئيس سعد الحريري والذي كان متمحوراً على موضوع الانتخابات الرئاسية.
في الخلاصة إن اياً من رموز الطرفين لا يملك رؤية ثابتة حول افق العلاقة المستقبلية بينهما مع اقرارهم بأن مرحلة الولادة الحكومية هي عملية اختبار نيات وامتحان سيتقرر في ضوئه هل هي عملية تلاقٍ مرحلي لحسابات اقليمية عنوانها تجنيب لبنان الالغام المزروعة في المنطقة، ام انها ستكون فتحاً مبيناً لمنظومات التلاقي التي ستفرج عن نفسها تلقائياً وتدريجاً والتي ستفضي حتماً الى واقع آخر مختلف.

 

السابق
لبنان في ثلاثة مشاهد
التالي
خيار تسليح المعارضة السورية يسبق استئناف جنيف 2