لبنان في ثلاثة مشاهد

في الأيام القليلة الماضية، شهد لبنان وشعبه ثلاثة أحداث متنوّعة، ومتضاربة ربّما. ومع أنّ هذه الأحداث قد لا تكون مرتبطة بعضها ببعض مباشرة، إلا أنّ تزامنها معاً بالذات يسلّط الضوء على وعي جديّ لإمكانات لبنان الكبيرة، بالإضافة إلى التحدّيات التي يواجهها البلد حاليّاً والتي لم تتمّ معالجتها.

باختصار: إنّ الإعلان عن حكومة جديدة في لبنان لم يكن الخبر الوحيد في البلد هذا الأسبوع.
أوّلاً، أظهر تشكيل الحكومة الذي تطلّب 10 أشهر من المداولات المستمرّة في ظلّ “مساومات” مكثّفة عيوباً مهمّة في نظام لبنان السياسيّ الطائفيّ.
ثانياً، في ظلّ التأخير والمماطلة في تشكيل الحكومة، في 17 شباط، نُظّمت ندوة في المركز الدوليّ لعلوم الإنسان في جبيل جرى في خلالها تحليل محتوى الكتاب الذي ألّفه رئيس الجامعة اللبنانيّة عدنان السيّد حسين. وشارك في الندوة عدد من الأساتذة والصحافيّين والناشطين في المجتمع المدنيّ لمناقشة المواطنة كضمانة لتحريك الحقوق المتساوية وحقوق الإنسان والمجتمع المدنيّ في لبنان، أي تعريف لبنان كدولة مواطنين بدلاً من إطار مذاهب دينيّة. من هذا المنطلق، شدّدت الندوة على دور المجتمع المدنيّ والتحدّيات المحتملة الناجمة عن العيوب التي تشوب المواطنة في لبنان والتي لن تزول إلا عند تحقيق هدف الدولة القوميّة. وقد أرسى المشاركون في الندوة الأسس اللازمة لتحرير لبنان من هشاشة الانقسام الطائفيّ وتحويله إلى مجتمع مدنيّ مؤلّف من مواطنين متساوين.
ثالثاً، يتزامن هذا التناقض مع رحيل أنسي الحاج، إحدى الشخصيّات الأدبيّة والثقافيّة العظيمة في لبنان. ومع أنّ وفاته كانت صدمة، إلا أنّها سلّطت الضوء على إرث لبنان التنويريّ وقدرة هذا البلد على مداواة الكثير من الجروح الاجتماعيّة والسياسيّة التي أصابته. لقد شدّد الحاج على مسؤوليّة الكلمة، لا في تحريك الثقافة فحسب، بل أيضاً في تمكين لبنان من الاضطلاع بدوره الإبداعيّ المحتمل. ودفع رحيله المؤلم جداً أصدقاءه ومعجبيه وزملاءه الكثيرين إلى التعبير عن أسمى المشاعر تجاهه. فالأصالة التي مثّلها جعلتنا نُعجب به.
من المفاجئ أنه في اليوم نفسه تقريباً، وقع الأسوأ في بئر حسن فيما حدث أفضل ما يمكن أن يحدث عندما أعرب جميع من تأثّروا بنزاهة أنسي الحاج الأدبيّة وإبداعه المذهل عن تقديرهم الكبير له.

السابق
وفد اتحاد المزارعين العرب جال في مليتا
التالي
هل تفتح الحكومة أفق “تطبيع” العلاقة بين “المستقبل” و”حزب الله”؟