سوزان رايس وتراجُع القوة الأميركية

على سوزان رايس أن تبقى بعيدة عن الإعلام، فآخر مرة ظهرت فيها حرفت السبب الذي أدى إلى موت أربعة أميركيين في بنغازي في ليبيا. لكنها عادت يوم الأحد لتحرف هذه المرة منتقدي سياسة إدارة أوباما الخاصة بسوريا. في المرة السابقة لم يكن تحريفها متعمداً، ولكنه لم يكن كذلك هذه المرة، وإن كنت أفضل عندما لا تكون مدركة لما تتحدث عنه. قالت رايس في ندوة محبطة استضافها ديفيد غريغوري في البداية كل الحقائق الصحيحة عن سوريا، فوصفت الحرب بـ«المروعة»، وهي كذلك حقاً، كما قالت إن الحرب «انتشرت وامتدت إلى الدول المجاورة»، وهو ما حدث بالفعل. وأضافت أن للولايات المتحدة «كل المصلحة في محاولة إنهاء هذا الصراع». نعم.. نعم حقاً. ثم واصلت قائلة: «لكن إن كان البديل هنا هو التدخل بوجود الجنود الأميركيين على الأرض، كما يقول البعض، فأعتقد أن التقدير الذي اتخذته أميركا ورئيسها أن ذلك ليس من مصلحتها». ولم يسأل غريغوري، في حذره واضطرابه المعتاد كالسنجاب، رايس التي دافعت بدقة عن وجود الجنود الأميركان على الأرض. ولم يطلب منها أن تذكر اسماً واحداً فقط من أسماء المنتقدين البارزين، أو ليتساءل لماذا يكون ذلك هو «البديل» بينما هناك عدة بدائل أخرى، بل استمر في دفعه تاركاً هذا المشاهد الجاهل للحقيقة يتلوى ويطقطق تحت أضواء التلفزيون الحارة، وسمح لرايس التي هي مستشارة الرئيس للأمن القومي تفلت بتفنيدها لحُجة لم تُقم. لكنها عرضت عقلية الإدارة – كل شيء أو لا شيء – وهو ما يعني من ناحية عملية: لا شيء.

قدّمت رايس عرضاً رائعاً يتماشى مع الإدارة التي تقيم صوت السياسة أكثر من تطبيقها. ولكن ذلك يتعلق مباشرة بمشكلة أخرى من مشكلات السياسة الخارجية تواجه واشنطن والعالم: أوكرانيا. بالطبع نوقشت الثورة في ذلك البلد، وحذرت رايس روسيا من اللجوء إلى العنف قائلة إن ذلك سيكون «خطأ جسيماً»، وأعلنت أن الولايات المتحدة تقف في جانب الشعب الأوكراني. تعميم رقيق لكنه حكيم. سيؤدي ذلك غرضه في الوقت الحالي.

لكن قد تخرج الأمور سريعاً عن السيطرة، وقد لا تسمح روسيا للأمة الكبيرة على حدودها الجنوبية الغربية بالانحياز لأوروبا. من غير المحتمل أن تنطلق الدبابات، ولكن ليس من المستبعد أن يلجأ الجزء الشرقي من البلاد الذي يتحدث الروسية إلى موسكو لتلقي الدعم.

أوكرانيا تمثل تحدياً صعباً، ولكنها ليست وحدها. إنها في الواقع مجرد موقع آخر في العالم، حيث تنضم القومية إلى الانفصالية لخلق الاضطراب. ستصوت اسكوتلندا في سبتمبر (أيلول) على الانفصال عن المملكة المتحدة، وبينما لا تمثل اسكوتلندا المستقلة تهديداً لأحد سوى الاسكوتلنديين أنفسهم، (ماذا يعتقدون؟) لكنها جزء من نزعة. وكتالونيا غير مرتاحة في إسبانيا. أما بلجيكا فهي في انقسام أبدي. وفي إيطاليا فإن الاتحاد الشمالي لا يريد أن يفعل شيئاً مع الجنوب. ويوغسلافيا التي كانت أمة واحدة، هي الآن سبع أمم، وتشيكوسلوفاكيا أمتان. أما الاتحاد السوفياتي فهو الآن 15 أمة منفصلة إحداها أوكرانيا. وفي الشرق الأوسط تتمزق سوريا وكردستان في حالة انتظار، والعراق لن يعود أبداً كما كان. وفي الشرق الأقصى نجد الصين واليابان تستشعران قوتهما القومية، وتستزيدان من ثقتهما لتتصارعا على مجموعة صخور.

العالم الذي تزداد فيه الفوضى يبحث عن دليل. ولكن الولايات المتحدة لا ترفض القيام بدور الشرطي فحسب، بل حتى بدور مراقب الصالة. إن الخيار الزائف تماماً في سوريا الذي رسمته رايس – لن تفعل أميركا أي شيء، لأنها لن تستطيع فعل كل شيء – يلاحظه العالم أجمع. هدد أوباما بـ«العواقب» إن تجاوز أحد الخط في أوكرانيا. «ها» خط آخر. هل هو أحمر؟

من ناحية اقتصادية يقترب العالم بعضه من بعض، لكن العالم يتفتت في ذات الوقت والإمبراطورية تتمزق. صدق أو لا تصدق، كانت هذه هي الظروف التي سبقت الحرب العالمية الأولى عندما فجرت القومية كل القيود. أربع إمبراطوريات – روسيا وألمانيا والنمسا مع المجر والدولة العثمانية – هوت واندفعت الحرب نحو أرماغادون التي لم تنتهِ إلا بهتلر وهو يوجه مسدسه نحو رأسه، وطائرة إينولا غاي تحرق هيروشيما بالقنبلة الذرية.

لا أتنبأ بشيء مثل ذلك في هذا الوقت، لكن صعود القومية وتراجع قوة أميركا أمر شهدناه من قبل. ظهرت شخصية مألوفة في كييف عرفت نفسها لمجلة «نيويورك تايمز» باسم «نيكولو». وقال نيكولو إن «الأمة هي ديني». على سوزان رايس أن تقابله، فهو موجود على الأرض.

 

السابق
كلّنا عراة أمام الإسرائيلي
التالي
المخاطر المنتظرة