الحكومة الجديدة تعيد تشكيل خريطة القوى المسيحيّة

ترك تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة انعكاسات مباشرة على واقع القوى المسيحية اللبنانية وتحالفاتها في ما بينها وبين بقية القوى اللبنانية.

وبانتظار استحقاق الانتخابات الرئاسية التي بدأ العد العكسي لحصولها، أفرزت الحكومة الجديدة واقعاً مسيحياً جديداً؛ فالقوات اللبنانية ستتحول الى المعارضة بعد أن خرجت من الحكومة احتجاجاً على مشاركة حزب الله وعدم خروج الحزب من سوريا، وبرزت بعض التباينات في العلاقة بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل، رغم حرص زعيمي القوات والتيار على تأكيد العلاقة القوية بينهما.

أما حزب الكتائب، فقد كان الرابح الأكبر من تشكيل الحكومة الجديدة، بعد ان نال الحصة المسيحية الأكبر الى جانب رئيس الجمهورية (3 وزراء) وهي أكبر حصة وزارية ينالها الحزب منذ عام 1936.

أما التيار العوني، فقد تراجع حضوره الوزاري الى وزيرين (وزير حزبي هو جبران باسيل ووزير مقرب من التيار وعلى علاقة قوية مع الحزب القومي السوري الاجتماعي، هو وزير التربية الياس أبو صعب)، فيما نال حلفاؤه وزيرين، وانتقلت وزارة الطاقة من التيار العوني الى حزب الطاشناق.

كما كانت حصة المسيحيين المستقلين للوزير بطرس حرب الذي تولى وزارة الاتصالات، ما يجعله أحد المرشحين الأقوياء لرئاسة الجمهورية المقبلة الى جانب بقية المرشحين.

وبرزت بعض التباينات بين التيار العوني وحلفائه في قوى 8 آذار، أشارت بعض المعلومات الي بدء التقارب السياسي والوزاري بين التيار العوني وتيار المستقبل.

فما هي انعكاسات تشكيل الحكومة الجديدة على واقع القوى المسيحية اليوم؟ وما هي الآفاق المستقبلية للواقع المسيحي بانتظار الانتخابات الرئاسية؟

الواقع المسيحي بعد الحكومة

المتابع لظروف تشكيل الحكومة الجديدة والتشكيلة الأخيرة لهذه الحكومة يخلص بنتيجة واضحة، أن الواقع المسيحي السياسي بعد الحكومة لا يشبه هذا الواقع قبله.

فالقوات اللبنانية خرجت من الحكومة وستتحول الى المعارضة، وبرز تباين بينها وبين «تيار المستقبل» وبقية قوى 14 آذار بسبب الموقف من الحوار مع حزب الله، وحرص رئيس الهيئة التنفيذية للقوات الدكتور سمير جعجع على الدفاع عن موقفه تحت عنوان «الالتزام المبدئي»، وقام أحد رجال الأعمال بتنفيذ حملة اعلامية – اعلانية للدفاع عن مواقف جعجع. ويراهن مؤيدو القوات على فشل الحكومة من أجل تعزيز شعبيتهم في المستقبل.

أما حزب الكتائب، فهو الرابح الأكبر من تشكيل الحكومة من خلال تحقيق الشعارات التي أعلنها منذ عدة أشهر بالدعوة إلى حكومة وحدة وطنية والعودة الى طاولة الحوار، ودخل الحزب الحكومة بثلاثة وزراء، وهذا يحصل للمرة الأولى منذ عام 1936، ومن الواضح أن الحزب يراهن على تحقيق نتائج إيجابية سياسية وشعبية في المرحلة المقبلة، ما يجعله أحد الناخبين الأساسيين في الانتخابات الرئاسية، كما أن الحزب يطمح إلى إيصال مرشح قريب منه الى الرئاسة الأولى.

أما التيار العوني، فقد تراجع موقعه الوزاري ولم يستطع الاحتفاظ بحقيبة الطاقة للوزير جبران باسيل، رغم انها ذهبت لحزب الطاشناق (من تكتل التغيير والاصلاح)، لكن التطور الأبرز في أداء التيار العوني، هو التقارب الحاصل بين التيار وتيار المستقبل، وحصول عدة لقاءات بين قياديي التيارين والدور المتوقع للعماد ميشال عون بالعمل للتقارب بين تيار المستقبل وحزب الله، وقد بدأت تبرز بعض المؤشرات من خلال اعلان عون عن لقائه بالرئيس سعد الحريري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وقيام مسؤول اللجنة الأمنية في حزب الله وفيق صفا بزيارة الوزير أشرف ريفي لتهنئته بالوزارة واتصاله بالوزير نهاد مشنوق.

ويأمل عون ان يكون ناخباً أساسياً في الانتخابات الرئاسية أو مرشحاً بديلاً إذا حصل توافق عليه.

وبالنسبة إلى قوى 14 آذار والشخصيات المسيحية المستقلة، فرغم تسلم الوزير بطرس حرب لوزارة الاتصالات والنائب ميشال فرعون لوزارة السياحة، بدت قوى 14 آذار تواجه بعض التصدعات والخلافات في وجهات النظر. وفي حال نجاح الحكومة بالتوصل الى بيان وزاري يحفظ حق المقاومة لحزب الله ولا يأخذ موقفاً واضحاً من تدخله في سوريا، فإن ذلك قد ينعكس على الوضع الداخلي لهذه القوى.

كذلك لوحظ أن أحد أعضاء الأمانة العامة في 14 آذار الصحافي شارل جبور (الذي يعتبر من الشخصيات القريبة من الدكتور جعجع والقوات اللبنانية) تبنى في أحد مقالاته في جريدة الجمهورية الدعوة لعقد «مؤتمر تأسيسي»، وهو ما سبق أن دعا إليه السيد حسن نصر الله، ما أدى إلى ردود فعل متباينة وطرح اشكالات عديدة داخل قوى 14 آذار.

آفاق الوضع المستقبلي

لكن ماذا عن الواقع المستقبلي للقوى المسيحية إذا نجحت الحكومة في اعداد البيان الوزاري ونيل الثقة؟ وماذا عن استحقاق الانتخابات الرئاسية؟

رغم رهان القوات اللبنانية وبعض الشخصيات المتشددة في «قوى 14 آذار» على فشل الحكومة، فإن امكانيات النجاح كبيرة في ظل وجود توافق داخلي وخارجي على تذليل العقبات وحماية الاستقرار والأمن وتمرير الأشهر الثلاثة المقبلة دون مشاكل كبيرة، وذلك تمهيداً لإجراء الانتخابات الرئاسية، وإذا حصل ذلك فسيترك انعكاسات عملية على دور القوى الحزبية والسياسية في الساحة المسيحية، وخصوصاً لجهة تراجع دور القوات اللبنانية وقائدها سمير جعجع، بما يذكر بمرحلة ما بعد تطبيق اتفاق الطائف وعدم مشاركة جعجع في أولى حكومات الطائف، ما انعكس سلباً على موقعه ودوره.

بالمقابل، سيتعزز دور حزب الكتائب والتيار الوطني الحرّ وبعض الشخصيات المسيحية المستقلة، وكل ذلك سيكون له تأثير مباشر على معركة الانتخابات الرئاسية والشخصية التي ستكون أكثر مقبولية لتولي الرئاسة الأولى.

 لكن ما يمكن استنتاجه بشكل أولي أننا في مرحلة إعادة ترتيب الوضع السياسي اللبناني عامة والوضع المسيحي خاصة، ونحن أمام تحالفات جديدة، وقد تحدثت بعض وسائل الإعلام عن «التحالف الخماسي» بدل التحالف الرباعي، أي حركة أمل وحزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل اضافة إلى التيار العوني، ويمكن اضافة حزب الكتائب ليصبح التحالف سداسياً، ولا بدّ من الإشارة إلى الدور المهم الذي أدته وستؤديه البطريركية المارونية وخلفها الفاتيكان في تثبيت الاستقرار الداخلي والضغط لإجراء الانتخابات الرئاسية.

 اذن نحن أمام واقع سياسي جديد في لبنان والمنطقة وستحصل متغيرات عديدة في المرحلة المقبلة تمهيداً لحصول الانتخابات الرئاسية.

السابق
طيران ليلي بالطوافات في 25 و27 الحالي
التالي
إكتشف العملات المزوّرة بخطوات بسيطة