لمَ تحدث الخيانة الزوجية؟

تُبيّن الأبحاث أنّه قبل التاريخ المكتوب بوقت طويل، عاشت قبائل بدائية في مجموعات ذات مبنى اجتماعي، كانت في إطاره طقوس اتّحاد بين زوجَين. يبدو أنّ الاعتقاد أنّ الاتّحاد الرسميّ بين زوجَين هو الطريقة المثلى للحفاظ على مجتمَع سليم وحسن الأداء سائد مذّاك.

في الكثير جدَّا من المجتمعات، ضَمِنَ الاتّحاد الرسمي بين زوجَين بأفضل وأمثل طريقة المأكل، المأوى، والحماية من العناصر الخارجية، فضلًا عن إنجاب ذريّة. مع تطوّر المجتمعات العصريّة، أضحت للزواج أهمية كبرى في الأطر الحضارية المختلفة، وبات مركّبًا جوهريًّا في كلّ الحضارات البشرية تقريبًا.

كان أحد أبرز المميّزات للزواج في كلّ الحضارات الزواج الأحادي. رغم أهمية الزواج من امرأة واحدة في ضمان استقرار الزواج، تظهر الدراسات أنّ البشر كانت لهم نشاطاتهم المخالفة على مرّ التاريخ. إنّ “قصص الحبّ” خارج إطار الزواج هي ظاهرة شائعة ومعروفة على مرّ التاريخ الاجتماعيّ، رغم أنّ المجتمع نظر إلى ذلك على أنه خطية منذ فجر التاريخ. فقد جاء في الوصايا العشر: “لا تزنِ”. انغرس كون الحبّ خارج الزواج “خطية” داخل المجتمع البشري منذ البداية، لكنّ ذلك لم ينجح في منع الظاهرة.

إنّ تعليلات حدوث قصّة حبّ خارج إطار الزواج كثيرة، وتبدأ بانعدام الاكتفاء في الحياة الزوجية، مرورًا بِالفراغ العاطفيّ، الحاجة إلى إقامة علاقات جنسيّة مع شركاء آخرين، العجز عن الصمود في وجه الإغراء، الغضب من الزوج/ الزوجة، انتهاء الحبّ، الفراق العاطفي، وانتهاءً بالرغبة في إثارة غيرة رفيق الزواج، وغير ذلك. حتّى إنّ هناك مَن يدّعي أنّ البشر لا يستطيعون العيش في إطار زواج أحادي يخالف “الطبيعة البشرية”.

لو كانت الطبيعة البشرية هي الملومة بعدم الولاء، ما كان ممكنًا أن تصمد مؤسسة الزواج كلّ هذا الوقت. يبدو أنّ الميل إلى عدم الولاء ينبع من ظروف الحياة تحديدًا، من عجز الخائن عن إيجاد الاكتفاء في علاقة زوجية طويلة الأمد بسب توقعاته من تلك العلاقة. إنّ عجزنا عن الحفاظ على “عشقنا” لرفيق زواجنا مع تقدّمنا في السن، وظروف حياتنا المتغيرة، هي ما يدفعنا إلى البحث عن علاقاتٍ حميمة بديلة.

قد يؤدي فقدان العاطفة التي كانت موجودة في بداية العلاقة إلى مشاعر بالملل وعدم الاهتمام تجاه رفيق الزواج، مع عوامل مثل المشاكل الاقتصاديّة، تربية الأولاد، المشاكل في العمل، تغيير الحالة، وما شابه. يمكن أن يؤدي اجتماع هذه العناصر إلى الرغبة في البحث وإعادة اكتشاف العاطفة التي كانت تميّز بداية العلاقة.

أساطير حول الخيانة: الخائن مرّة خائن على الدوام؟

رغم أنه يبدو في أيامنا أنّ الجميع خائنون، فإنّ الحال ليست كذلك. فوفق استطلاع أجراه معهد الأبحاث الأمريكي القومي، كانت هناك قصة حبّ بعد الزواج لـ 24% من الرجال المتزوّجين ولـ 13% من النساء المتزوّجات. تحطّم هذه النتائج أسطورة تُفيد بأنّ الخيانة سمة معظم الناس. لكن أساطير أخرى تكدّست حول الموضوع خلال السنين، بعضها ذو مصداقية، وبعضها لا.

إحدى الأساطير الشائعة هي أنّ الناس يخونون رفقاء زواجهم مع أشخاصٍ أجمل وأصغر منهم. لكنّ ذلك ليس بالضرورة صحيحًا.‎ ‎فالناس يميلون إلى ممارسة الخيانة مع مَن يوفّر لهم ما ينقصهم في البيت، ومع مَن هو متوفّر عاطفيًّا وجسديًّا. أحيانًا، يبحث الناس عن النقيض الكلي لرفيق الزواج، فيما يبحثون أحيانًا أخرى عن نسخة طبق الأصل عنه، لكنّ المهم أن يكون مستعدًّا لسدّ حاجاتهم.

أسطورة أخرى هي: الخائن مرّة خائن على الدوام. هذا غير صحيح. الخيانة هي عارض يدلّ على مشكلة، لا المشكلة نفسها. إنها غالبًا صرخة غير واعية طلبًا لمساعدة رفيق الزواج أو راية حمراء تُرفَع للخروج من العلاقة الزوجية، لكنها تهدف غالبًا إلى توجيه صفعة مدوّية إلى رفيق الزواج. كان معظم الخوَنة يريدون “تطوير” علاقتهم، وكانوا يرغبون أن تُكتشَف فعلتهم في اللاوعي.

يخون الرجال أكثر من النساء. غير صحيح دائمًا.‎ ‎فنسَب خيانة الرجال والنساء متقارِبة. بكلّ بساطة، يميل الرجال إلى الإبلاغ عن الخيانة والتباهي بأفعالهم، لأنّ المجتمع يقبل هذا بسهولة أكبر، حتّى إنه يعتبره فخرًا لهم أحيانًا.

والأسطورة الأخيرة هي أنه لا يمكن إصلاح الزواج بعد الخيانة. غير صحيح. تختلف كلّ حالة عن سواها. ثمة حالات ميؤوس منها، بشكل خاصّ حين كان الخائن يبحث عن الهرب من الزواج، لكن في كثير من الحالات، يمكن التعافي. هذا متعلّق بالنضج، والتحليل السليم للواقع إثر الخيانة. يمكن ترميم، وحتى “تطوير” العلاقة بعد حادث صادمٍ كهذا.

يبحث الناس دائمًا عن الودّ، التعاطف، والاهتمام في الحياة الزوجيّة. إذا علمتم كيف توفّرون الحاجات الأساسية، فلن تُضطروا إلى أن تخونوا أو تُخانوا. ففي جميع الأحوال، تبقى حياة المحبة والهدوء في إطار الزواج أفضل وأجمل بكثير من مجرّد قصص حبّ قصيرة وعابرة.

السابق
بعد إيران، روسيا أيضًا تزيد حجم المساعدات للأسد
التالي
الأسير: اخرجوا من سوريا وأوقفوا ظلمكم على أهل السنّة في لبنان وسوريا