العلمنة: أين تلتقي بالإسلام وأين تفترق(2/3)

العلامة محمد حسن الامين
"الإسلام يتنافى قطعاً مع مفهوم العلمنة الملحدة ومع موجباتها ومنطلقاتها الفكرية، ولا مجال للتوفيق بينهما. فالعلمانية الملحدة لا تنفي الإسلام بل تنفي الدين أساساً. أما العلمنة المؤمنة القائلة بفصل الدين عن الدولة بدون التورط بنفي الدينن فلا تتنافى مع الدين الإسلامي". حلقة ثانية بقلم العلامة السيد محمد حسن الأمين عن علاقة الإسلام بالعلمانية.

لأنّها لم تكن تفصل بين الدين ونظام الاجتماع السياسي أو الحقوقي، كانت حركات الاصلاح في التاريخ الاسلامي غالباً ما تقوم على الدعوة للعودة إلى مبادئ الإسلام وشريعته في وجه السلطة التي كانت تنحرف عن إقامة العدل مستأثرة بالسلطة وبالمال العام، مدعية – أحياناً – أنها تحكم الناس بموجب حق إلهي أي بموجب حق لم يمنحه الإسلام أحداً من البشر… اتسمت العلاقة بين الإسلام – أو بالأحرى – بين الفكر الإسلامي، وبين العلمنة بالتعقيد وقد زاد الأمر تعقيداً نشوء الحاجة في عصرنا الراهن إلى قيام الدولة الحديثة وهي دولة علمانية بطبعها.
وكانت محصلة التعقيد في العلاقة بين الإسلام والعلمنة أن النخب الفكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية في العالم الإسلامي انقسمت إلى فريقين:
1 – فريق تورّط بنفي الإسلام نفياً كاملاً من دائرة الاجتماع السياسي لظنه بأنّ هذه هي الطريق الوحيدة لإقامة الدولة الحديثة.
2 – وفريق تورط بمعاداة الدولة الحديثة لظنه بأنها بديل عن الإسلام أو على الأقل لظنه بأنها بديل عن قيم الإسلام وشريعته في المجال السياسي والاجتماعي.
السؤال الذي نطرحه الآن: أين تلتقي العلمنة مع الإسلام وأين تفترق عنه؟ وبالتالي هل يتنافى مشروع الدولة بمعناه الحديث مع موجبات كل من العقيدة والشريعة الإسلامية. كيف ولماذا؟
في الإجابة على السؤال الأول: الإسلام يتنافى قطعاً مع مفهوم العلمنة الملحدة ومع موجباتها ومنطلقاتها الفكرية. وهذا عائد إلى كل من طبيعة الإسلام بوصفه عقيدة دينية وبين طبيعة العلمنة الملحدة التي تنفي الدين. ولا نرى أن هناك مجالاً للتوفيق بينهما. فالعلمانية الملحدة لا تنفي الإسلام بل تنفي الدين أساساً. إذاً، فالعلمنة الملحدة ليست مجال بحثنا. وبالأساس فإنّ الإلحاد ليس عنصراً مكوناً بطبيعة العلمنة الأساسية، وهي فصل الدين عن الدولة، لا نفي الدين بالمطلق.
أما بشأن العلمنة المؤمنة القائلة بفصل الدين عن الدولة بدون التورط بنفي الدين فإنها تنطوي بنظرنا على استهدافين:
أحدهما: نفي أي سلطة إلهية بإسم الحق الإلهي وتأكيدها أن السلطة شأن بشري وأن شرعية السلطة مصدرها العالم، أي البشر. وثانيهما: أن البشر أحرار في التشريع لأنفسهم ولا يجوز إلزامهم باسم الدين بأيّ شريعة تتنافى مع اختيارهم ومع حقهم في أن يكونوا هم المشرعين لأنفسهم.
في موقف الإسلاميين من العلمنة المتسم بالرفض المطلق لها، ثمة خلل مرده إلى عدم التمييز – إسلامياً – بين موضوعي السلطة والشريعة. وهذا الخلل في التمييز بين موضوعي السلطة والشريعة في الإسلام قائم أيضاً في نظرة العلمانيين للإسلام. فإذا كانت الشريعة – بموجب الإسلام – شأناً إلهياً كما هو الحق فقد ظنّ هؤلاء أن السلطة هي أيضاً شأن إلهي، فيما الحق أن الإسلام لم يعتبر السلطة شأنها إلهياً بل اعتبرها شأنا بشريا على البشر أن يتدبروه. بدليل أن مصادر الإسلام وأبرزها القرآن الكريم لم يحدّد صيغة للسلطة رغم خطورة هذا المرفق في حياة الناس، بينما حدد لهم منظومة من الواجبات والمحرمات في مجالات التعامل هو أقل شأنا بكثير من خطر السلطة وهيبتها.
وفي مجال آخر خاطب الله تعالى رسوله في القرآن الكريم بقوله: (فذكر إنما أنت مذكر لست عليها بمسيطر)، بمعنى أنك لا تستطيع أن تجبرهم على الاختيار ولكن إذا اختاروا ما تأمرهم به بملء إرادتهم فعليك أن تحمي هذا الاختيار. وهذا ما مارسه الرسول (ص).

السابق
المشنوق دان تفجير الهرمل: ندعو القوى السياسية لاقفال معابر الموت
التالي
أميركا صعدت العدوان ضد سوريا بإطاره الإنساني وجلبابه الإرهابي