ما الذي يتغيّر في سن الـ 40 ؟

والآن أنت في الأربعين، إنه العمر الذي يبدأ فيه التراجع الجسدي يظهر واضحاً للعيان. ومن المؤكد أن لسن الأربعين ميزة خاصة، فهي سن النضج واكتمال الحكمة والعقل. ومن التغيّرات البيولوجية تراجع في البنية الجسدية وفي الخلايا والأعضاء، وتغير الأداء الوظيفي لأجهزة الجسم المختلفة كالجهاز العصبي والتنفسي والهضمي والعضلي والتناسلي. فيضعف النظر والسمع، وتتغيّر مرونة الجلد وتظهر التجاعيد، ويتساقط الشعر ويظهر الصلع عند الرجال، ويطل الشيب، وتتقلص الرغبة الجنسية، وتنقطع الدورة الشهرية عند النساء، ويكون الإنسان أكثر عرضة بعد الأربعين للإصابة بأمراض القلب وضغط الدم، وتضعف الذاكرة وقدراتها، ويزيد الوزن، ويترهل الجلد، وغير ذلك من التغيرات.

بعض هذه التغيرات يكون ملحوظاً وظاهراً والبعض الآخر غير ملحوظ، لكنها كلها تصيب الإنسان بالضعف والإرهاق والتعب.أما التغيرات الاجتماعية، فمنها الإيجابي ومنها السلبي، وهي تتمثل برحيل الأبناء وهو ما يسمى متلازمة العش الخالي. فبعدما كان البيت يعُجّ بالأطفال ومليئاً بالأبناء، يصبح خالياً بعدما كبر الأبناء وتزوجوا واستقلوا، ويصبح الزوجان وحيدين كما كانا في بداية حياتهما معاً، الى جانب التغيرات النفسية والبيولوجية. وكل ذلك يصيب الإنسان في هذه المرحلة العمرية بالإرهاق والتعب والمرض، وبالتالي كنتيجة محتملة فإن نفسيته سوف تتأثر، فقد يصبح أكثر حساسية وتأثراً وقلقاً وخوفاً من الإصابة بالتقدم بالعمر، لا سيما إذا صاحب التغيير فقدان الدعم الاجتماعي والنفسي. وقد يمر الرجال بعد هذه السن بفترة غير متوازنة، يحاولون فيها إعادة عقارب الزمن إلى الوراء ويغرقون في تصرفات المراهقة لكي ينفوا تهمة الكبر ويثبتوا لمن حولهم، أن عروق الشباب ما زالت تنبض فيهم وأنهم أقوى من الشباب أنفسهم!لكن البعض يبدأ تقويم حياته على مر العقود السابقة، فعلاء مثلاً ركّز بعد الأربعين على إيمانه بأهمية الثقة بالنفس وعدم السعي وراء الألقاب والمظاهر والقشور الزائفة وعدم ادّعاء المثالية والكمال، “تعلمت أن الحسد والغيرة مشاعر سلبية تنهك صاحبها وتعوّقه عن التقدم وتؤذي علاقاته مع الغير. كما أن الوعي هو الأكثر أهمية في الحياة، لذا على الإنسان الواعي أن ينسحب قدر الإمكان من كل ما يشوّش تفكيره ويزيل العقبات والمعوّقات بما يقوي التركيز على الأمور الخاصة. وتعلمت أيضاً أن أعيش اللحظة ولا أقلق كثيراً بشأن المستقبل”. ويرى سلام أن الأعوام الماضية علمته أن “السعادة ليست شيئاً يمكن شراؤه أو نستطيع أن نجده عند شخص ما أو أن يهبنا إياه أحدهم، والعمل او الانخراط في الجماعات والاجتماعات والبقاء بين الناس لا يعني غياب مشاعر الوحدة، وأن يعيش المرء بمفرده لا يعني أنه وحيد. لذا، بدأت أتلمس السعادة في داخلي وفي ما يمكن أن أفعله لأرضي نفسي”.

أما سعيد فقد اكتشف بعد بلوغه الخامسة والأربعين، أن النجاح نظري ونسبي وظاهري سرعان ما يزول إذا لم يكن ثمة أساس صلب وواقعي، “اعتدت على التفكير أنني ناجح لأني أمتلك وظيفة رائعة تجعل أهلي وزوجتي وأصدقائي يفخرون بي. وكنت أعتقد أن منزلي الذي يضم غرف النوم المتعددة، والسيارة الحديثة، والساعة الفاخرة، والتلفزيون المتطوّر، كلها تعني النجاح. لكن، عوض الشعور بالاكتفاء الذاتي والنجاح أشعر بالإحباط وأحس أنه ينبغي علي القيام بشيء مختلف كي أشعر بالاكتفاء والرضى، كأن أعيش أحلامي ورغباتي وطموحاتي بعيداً عن المظاهر والقشور”.

أزمة منتصف العمرتحدّد الثقافات المختلفة معنى التقدم بالعمر استناداً إلى المفاهيم السائدة فيه، ويؤدي نمط الحياة من رفاه اقتصادي واجتماعي وتغذية جيدة وممارسة الرياضة والرعاية الصحية، دوراً مهماً في إبطاء العمر البيولوجي للإنسان. لكن ذلك لا يوقف التغيرات الجسدية والنفسية والحياتية التي تطرأ على الإنسان بعد الأربعين، سواء اكان رجلاً ام امرأة.ويشرح الاختصاصي في علم النفس العيادي الدكتور سامي حمادة، “تبدأ الأزمة بعد الأربعين عندما يبدأ الإنسان بتقويم مدى النجاح أو الفشل الذي حققه في حياته العملية والأسرية وما حقق من أحلام وأهداف وطموحات على مدى سنوات عمره، ثم يدرك أن العمر قد مضى ولم يعد قادراً على تحقيق ما كان يصبو إليه. فالأزمة هي نتيجة التعارض أو عدم القدرة على التكيف مع التغيرات في هذه المرحلة. عندها يبدأ الصراع مع الذات، الناتج من وجود الفجوة بين التقدم بالعمر وعدم تحقيق أهداف وطموحات الشباب. ويزداد الشعور بالإحباط والفشل كلما كانت الفجوة كبيرة بين الأهداف التي لم تتحقق، وما تم تحقيقه على أرض الواقع. وقد تكون هذه المرحلة للبعض، مليئة بالقلق واضطرابات النوم والاكتئاب والتفكير بالموت والقرارات غير الحكيمة والتشاؤم. وتكون للبعض الآخر عكس ذلك تماماً، مليئة بالأمل والنضج والحكمة والتفهم والرغبة باستمرار العطاء وبالحياة، وهي أيضاً مرحلة إثبات الذات وتحقيق الطموحات والأهداف والتحسن في التفكير المنطقي”.

أما بالنسبة الى المرأة ما بعد الأربعين، فتختلف صورة المرأة المعاصرة عن صورتها في الأجيال السابقة بسبب دخولها مجالات العمل والإنتاج وزيادة الضغوط الاجتماعية والأسرية والنفسية عليها. ولعل أهم ما تمر به المرأة في هذه المرحلة بحسب حمادة، “التغيرات الهورمونية التي تؤدي إلى انقطاع الدورة الشهرية وما يصاحبها من عصبية، وزيادة الحساسية والتوتر التي قد تؤثر في نشاطها اليومي. فهي تمر بالتغيرات البيولوجية والضغوط الحياتية ذاتها التي يتعرض لها شريكها الرجل، من رحيل الأبناء ربما وعدم القدرة على التكيف مع تلك التغيرات. والمرأة عموماً تُظهر درجات أعلى من الالتزامات والتضحيات تجاه الأسرة، مما يؤدي إلى زيادة الأعباء النفسية عليها في حال عدم وجود دعم وتقدير لدورها وتضحياتها. فالمرأة العاملة عندما تريد مراجعة الذات فإنها تجمع بين نجاحها أو فشلها في العمل والأسرة، في حين أن المرأة التقليدية تدور بأحلامها وتفكيرها حول زوجها وأبنائها ولذلك فهي قد تتأثر سلبيّاً برحيل الأبناء او الزوج والشعور بالإهمال، خصوصاً بسبب اعتمادها المادي على الآخرين”.وللتغلب على هذه المرحلة بنجاح، ينصح حمادة بتبنّي “استراتيجيات تكيفية إيجابية تفاؤلية في مواجهة الضغوط والتغيرات، والتركيز على الأهداف الواقعية والتي من شأنها زيادة الشعور بالرضى والإنجاز والكفاءة والثقة بالنفس، وملء أوقات الفراغ بما هو إيجابي، والانخراط في الأعمال والنشاطات الاجتماعية”.

 

السابق
نجاة رحلة “طيران الجزيرة” بين بيروت والكويت من صاروخ فوق سوريا
التالي
الخط العربي يعود الى بيروت .. إبداع من أحرف وخيال